يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(١).
فأمره الله أن يغرس النخل ، فأقبل يغرس ، فكان قومه يمرّون به فيسخرون منه ويستهزئون به ، ويقولون : شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النخل! وكانوا يرمونه بالحجارة ، فلمّا أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه ، فسخروا منه ، وقالوا : بلغ النخل مبلغه ، وهو قوله : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
فأمره الله أن ينحت السفينة ، وأمر جبرئيل أن ينزل عليه ويعلّمه كيف يتخذها ، فقدر طولها في الأرض ألف ومائتا ذراع ، وعرضها ثمانمائة ذراع ، وطولها في السماء ثمانون ذراعا. فقال : يا ربّ من يعينني على اتّخاذها؟ فأوحى الله إليه : ناد في قومك : من أعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضّة ، فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليها ، وكانوا يسخرون منه ويقولون يتّخذ سفينة في البرّ!» (٢).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «لمّا أراد الله عزوجل هلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة ، فلم يولد فيهم مولود ، فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السّفينة أمره الله أن ينادي بالسّريانية فلا تبقى بهيمة ولا حيوان إلّا حضر ، فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين في السّفينة ، وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا. فقال الله عزوجل : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة ، فلمّا كان في اليوم الذي أراد الله
__________________
(١) نوح : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٥.