إهلاكهم ، كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف ب (فارَ التَّنُّورُ) في مسجد الكوفة ، وقد كان نوح اتّخذ لكلّ ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السّفينة ، وجمع لهم فيها جميع ما يحتاجون من الغذاء ، فصاحت امرأته لمّا فار التنّور ، فجاء نوح إلى التّنّور فوضع عليه طينا وختمه ، حتى أدخل جميع الحيوان السّفينة.
ثم جاء إلى التّنّور ففضّ الخاتم ورفع الطّين ، وانكسفت الشّمس ، وجاء من السّماء ماء منهمر ، صبّ بلا قطر ، وتفجّرت الأرض عيونا ، وهو قوله عزوجل : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ)(١) وقال الله عزوجل : (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) يقول : مجراها : أي مسيرها ، ومرساها : أي موقفها.
فدارت السفينة ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم ، فقال له : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) فقال ابنه ، كما حكى الله عزوجل : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) فقال نوح : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) ثمّ قال نوح : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) فقال الله : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) فقال نوح ، كما حكى الله : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) فكان كما حكى الله : (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «فدارت السّفينة ، فضربها الموج حتى وافت مكّة وطافت بالبيت ، وغرق جميع الدنيا إلّا موضع البيت وإنّما سمّي البيت
__________________
(١) القمر : ١١ ـ ١٣.