إن قلت : (١) فما ذا يكون مدلولا عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟
قلت : (٢) أما الجمل الخبرية : فهي دالة على ثبوت النسبة بين طرفيها ، أو نفيها في نفس الأمر من ذهن أو خارج ؛ كالإنسان نوع أو كاتب. وأما الصيغ الإنشائية : فهي ـ على ما حققناه في بعض فوائدنا (٣) ـ موجدة لمعانيها في نفس الأمر ، أي : قصد ثبوت معانيها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود.
وربما يكون هذا (٤) منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا وعرفا آثار ؛ كما هو
______________________________________________________
(١) قد عرفت توضيح هذا السؤال مع الجواب ، وملخص ذلك : أنه بعد إنكار الصفة الزائدة القائمة بالنفس ؛ المسماة بالكلام النفسي الزائدة على الصفات المشهورة ، وإنكار كون تلك الصفات مدلولات للكلام اللفظي أيضا ، فما ذا يكون مدلولا عليه عند الأصحاب والمعتزلة بالجمل الخبرية والإنشائية ، والأشاعرة قد استراحوا بجعل الكلام النفسي مدلولا للكلام اللفظي.
(٢) أي : الجواب عن السؤال : أن الجمل الخبرية تدل على ثبوت النسبة ؛ إذا كانت موجبة ، وعلى نفيها إذا كانت سالبة في نفس الأمر أي : سواء كان في عالم الذهن فقط كقولنا : «الإنسان نوع» ، أم كان في عالم الخارج نحو : «الإنسان كاتب» ، وكذا السالبة نحو : «لا شيء من الإنسان بحجر». فقوله : «من ذهن أو خارج» بيان لنفس الأمر.
وأما الصيغ الإنشائية مثل الأمر والنهي والاستفهام ونحوها : فهي لا تدل على شيء ، بل وضعت لقصد إيجاد معانيها بواسطتها ؛ بمعنى : أن المتكلم قد يكون قاصدا للإخبار عن المعاني بالألفاظ ؛ كما في الجمل الخبرية ، وقد يكون قاصدا لإيجاد المعاني والمفاهيم بالألفاظ ، كما في الجمل الإنشائية.
فالجمل الإنشائية : وضعت لإيجاد مفاهيمها في وعاء الاعتبار ، في قبال وعاء الخارج والذهن ، فإن الوجود الإنشائي نحو من الوجود ، فيكون منشأ للآثار ، وموضوعا للأحكام ، كما في العقود والإيقاعات مثل : إنشاء التمليك في البيع ، وإنشاء الزوجية ، والحرية ، والطلاق ونحو ذلك ؛ مما يترتب عليه الأحكام التكليفية والوضعية.
(٣) فوائد الأصول ، ص ٢٣.
(٤) أي : الوجود الإنشائي الاعتباري «منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه» أي : على هذا الوجود الإنشائي الاعتباري «شرعا وعرفا» أي : على سبيل منع الخلو «آثار» أي : مترتب عليه آثار شرعية أو عرفية.
وحاصل الكلام في المقام : أن الوجود الإنشائي منشأ لانتزاع اعتبار كالزوجية