نعم ؛ لو كان مفاد الأمر هو مفهوم الطلب صح القول بالإطلاق لكنه (١) بمراحل من الواقع ، إذ (٢) لا شك في اتصاف الفعل بالمطلوبية بالطلب المستفاد من الأمر ، ولا يعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب ، فإن الفعل يصير مرادا بواسطة تعلق واقع الإرادة وحقيقتها لا بواسطة مفهومها ، وذلك واضح لا يعتريه ريب.
______________________________________________________
لخصوصيات الطلب المنقدحة في نفس الطالب ، فيكون مفادها الأفراد التي لا يعقل فيها التقييد ، فمعنى الهيئة جزئي حقيقي بناء منه على كون الموضوع له في الحروف خاصا ، فوضع الهيئة عنده كوضع الحروف يكون الموضوع له فيها جزئيا ؛ والجزئي غير قابل للإطلاق والتقييد ، فلا يكون له إطلاق حتى يقيّد بقيد ، وحينئذ لا مجال للتمسك بإطلاق الهيئة ـ إلى أن قال ـ «نعم لو كان مفاد الأمر هو المفهوم صح القول بالإطلاق» ، وكان قوله : «نعم ...» إلخ استدراكا على عدم صحة التمسك بالإطلاق لنفي الشك المزبور وحاصله : أن التمسك بالإطلاق مبني على كون مفاد الهيئة مفهوم الطلب ؛ لأنه كلي قابل للإطلاق والتقييد ؛ بخلاف ما إذا كان مفادها جزئيات الطلب وأفراده الخارجية ، فلا إطلاق حينئذ.
(١) أي : كون مفاد الهيئة مفهوم الطلب وإن كان مصححا ومسوّغا للتمسك بالإطلاق لدفع الشك المزبور ؛ إلّا إنه بعيد عن الواقع بمراحل.
(٢) قوله : «إذ لا شك ...» إلخ ؛ تعليل لقوله : «لكنه بمراحل عن الواقع». وتوضيح ذلك التعليل يتوقف على مقدمة وهي : أن هناك أمران يوجبان كون مفاد الهيئة فرد الطلب لا مفهومه :
الأول : حكم العقلاء باتصاف الفعل بالمطلوبية بمجرد تعلق الطلب المنشأ بالصيغة به ، فيقال عنه إنه مطلوب. هذا ما أشار إليه بقوله : «إذ لا شك في اتصاف الفعل بالمطلوبية بالطلب ...» إلخ.
الثاني : أن الموجب للاتصاف المزبور ـ بحكم الوجدان ـ هو : مصداق الطلب وفرده الخارجي لا مفهومه ـ هذا ما أشار إليه بقوله : «ولا يعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب» ـ إذ من الواضح : أن اتصاف الشيء بالعرض إنما يكون بطرو واقع العرض عليه لا مفهومه ، فإن الجسم لا يتصف بالبياض إلّا بعروض حقيقة البياض عليه ، وعليه : فاتصاف الفعل بالمطلوبية بمجرد الأمر يكشف عن أن مدلول الهيئة واقع الطلب لا مفهومه ؛ إذ مفهوم الطلب لا يصحح اتصاف الفعل بالمطلوبية.
وكيف كان ؛ فنتيجة هذين الأمرين هي : أن مدلول الأمر مصداق الطلب لا مفهومه.