وأما (١) عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب : فلأنه لا يكاد يعتبر في الواجب إلّا ما له دخل في غرضه الداعي إلى إيجابه ، والباعث
______________________________________________________
ثانيا : أنه مستلزم للدور ؛ إذ قصد التوصل موقوف على المقدمية ، إذ لا معنى للتوصل بما ليس بمقدمة ، فلو توقفت المقدمية على قصد التوصل لكان دورا مصرحا فالتالي باطل فالمقدم مثله.
وثالثا : أنه لو اعتبر قصد التوصل في وجوب المقدمة لما حصل ذات الواجب ، ولما سقط الوجوب بدون قصد التوصل ، والتالي باطل فالمقدم مثله.
(١) قوله : «وأما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة ...» إلخ إشارة إلى ردّ صاحب الفصول ، القائل بأن المقدمة إنما تتصف بالوجوب إذا ترتب عليها المأمور به ، وقد ردّه المصنف بوجوه :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «فلأنه لا يكاد يعتبر في الواجب ...» إلخ ، يعني : إن ترتب المأمور به ليس غرضا للمقدمة ولا دخيلا في غرضها ليعتبر في اتصافها بالوجوب.
أما الأول : فلوضوح أنه بعد تمام المقدمات يمكن أن يختار المكلف إتيان المأمور به ، ويمكن أن يختار عدمه.
وأما الثاني : فلأن الغرض من المقدمة حصول التمكن من إيجاد ذيها ، وهو يحصل بمجرد وجود المقدمة ترتب عليها المأمور به أم لا ، فإن المأمور بشراء اللحم إذا دخل السوق حصل التمكن وسقط عنه وجوب هذه المقدمة وإن لم يشتر اللحم ؛ لامتناع تحصيل الحاصل.
وبعبارة أخرى : أن توضيح ذلك ـ أكثر مما ذكرناه ـ يتوقف على مقدمة وهي عبارة عن أمور :
الأول : أن الأحكام تابعة للملاكات سعة وضيقا.
الثاني : أن الملاكات من الأمور الخارجية التي هي غير مجعولة شرعا.
الثالث : أنه إذا كان لشيء مقدمات عديدة ، فلا محالة يتوقف وجوده على وجود جميعها ، وينعدم بانعدام واحدة منها ، فكل مقدمة تحفظ وجود ذيها من ناحيتها ، وتسد بابا من أبواب عدمه ، فملاك وجوب المقدمة هو القدرة على إيجاد ذيها.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا فرق في المقدمة الواجبة بين ما يترتب عليه الواجب ، وبين ما لا يترتب عليه ، إذ الغرض من المقدمة الداعي إلى إيجابها هو الاقتدار على فعل ذي المقدمة ، ومن المعلوم : حصوله بايجاد المقدمة سواء أتى بذيها أم لا ، وقد عرفت تبعية الحكم للملاك سعة وضيقا.
وكيف كان ؛ فقد أشار إلى الأمر الأول بقوله : «إلّا ما له دخل» وإلى الأمر الثالث :