ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة ؛ بل تكون الملازمة أو عدمها أزلية ، نعم ؛ نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم ، حيث يكون حادثا بحدوث وجوب ذي المقدمة ، فالأصل عدم وجوبها.
______________________________________________________
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن موضوع الأصل تارة : يلاحظ في المسألة الأصولية أعني : الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ؛ بأن يكون الأصل لتعيين الملازمة أو عدمها عند الشك في ثبوتها وعدمها. وأخرى : يلاحظ في المسألة الفقهية أعني : نفس وجوب المقدمة ، والأصل الذي يمكن فرضه في المقام هو الاستصحاب.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الكلام يقع في مقامين :
الأول : الأصل في المسألة الأصولية.
الثاني : الأصل في المسألة الفقهية.
وظاهر كلام المصنف هو : جريان الأصل في المسألة الفقهية دون المسألة الأصولية.
توضيح ذلك يتوقف على بيان الفرق بينهما.
وخلاصة الفرق : أن الملازمة بين الوجوبين في المسألة الأصولية ليست لها حالة سابقة سواء فسّرت بكونها أمرا واقعيا ، أو انتزاعيا ينتزع عن حصول أحد المتلازمين عند حصول الآخر ، أو كونها عبارة عن دوام حصول الجزاء عند الشرط ، فالملازمة بجميع هذه التفاسير ليست لها حالة سابقة ؛ بل أنها أزلية ؛ بمعنى : أنها إما موجودة بين الشيئين من الأول ، أو منتفية كذلك ، فليس هناك حدوث غير حدوث المتلازمين لا بمفاد كان التامة «حصلت الملازمة بين هذا وذاك» ، ولا بمفاد كان الناقصة «صار هذا وذاك متلازمين» ، ولذا تتحقق بين المعدومين كملازمة عدم الشمس وعدم النهار ، فيقال في الليل : الشمس والنهار متلازمان ؛ بل تتحقق بين الممتنعين ، كملازمة تعدد الآلهة وفساد العالم في قوله تعالى : (لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا)(١). أما وجوب المقدمة ، فله حالة سابقة وهو : عدم الوجوب عند عدم وجوب ذي المقدمة.
إذا عرفت هذا الفرق بين المسألتين فاعلم : أنه لا يجري الاستصحاب في المسألة الأصولية أعني : الملازمة ؛ لا في جانب الوجود ، ولا في جانب العدم ؛ وذلك لما عرفت :
من عدم يقين سابق بالحدوث ولا بعدمه. ومن المعلوم : أن الاستصحاب يتوقف على اليقين والشك ، وفي المقام ليس إلّا الشك.
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.