الظرف لا نفس الجواز ، وإلّا فبمجرد الجواز بدون الترك لا يكاد يتوهم صدق القضية الشرطية الثانية ـ ما لا يخفى ؛ فإن (١) الترك بمجرد عدم المنع شرعا لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين ، ولا يلزم أحد المحذورين (٢) ؛ فإنه وإن لم يبق له وجوب معه ؛ إلّا إنه كان ذلك بالعصيان ؛ لكونه متمكنا من الإطاعة والإتيان ، وقد اختار تركه بترك
______________________________________________________
يلزم ذلك على تقدير ترك المقدمة ، فلا بد أن يراد من المضاف إليه الظرف ترك المقدمة بما هو ترك ، كي تصدق القضية الشرطية الثانية ، وكي يترتب التالي على المقدم. هذا تمام الكلام في المقام الأول.
وأما المقام الثاني ـ المتضمن لإبطال الدليل المذكور ـ فقد أشار إليه بقوله : «ما لا يخفى» ، وحاصل وجه بطلانه على ـ ما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٤٠٢.» ـ : أن ترك المقدمة المفروض جوازه شرعا لا يوجب شيئا من المحذورين اللذين أحدهما : الخلف ، وهو خروج الواجب عن الوجوب. والآخر : التكليف بما لا يطاق ؛ وذلك لأن المقدمة وإن لم تكن واجبة شرعا ، لكن العقل يحكم بوجوبها إرشادا من باب حسن الإطاعة عقلا ؛ حذرا من الوقوع في عقاب ترك الواجب ، فإذا ترك المقدمة لزم سقوط أمر ذيها بالعصيان ، فلا أمر حينئذ ليجب به ذو المقدمة. فإن أراد المستدل من خروج الواجب عن الوجوب هذا المعنى فلا بأس به ، لكنه ليس بمحذور ؛ لأن سقوط التكليف يكون تارة : بالإطاعة ، وأخرى : بالعصيان.
فقول المستدل : بأن المقدمة إن لم تكن واجبة لجاز تركها شرعا صحيح ، لكن قوله : إن ترك المقدمة يستلزم أحد المحذورين ، وهما الخلف أو التكليف بغير مقدور غير سديد ؛ لعدم لزوم شيء منهما حين ترك المقدمة. المفروض جوازه شرعا ؛ حتى يكشف بطلان التالي عن بطلان الملزوم ، وهو عدم وجوب المقدمة. انتهى.
(١) أي : قوله : «فإن الترك ...» إلخ تقريب للإشكال على الدليل ، حيث عرفت : إن ترك المقدمة المفروض جوازه شرعا لا يوجب شيئا من المحذورين.
(٢) أي : هما خروج الواجب عن كونه واجبا ، ولزوم تكليف ما لا يطاق.
وحاصل جواب المصنف عن الاستدلال المذكور هو : أن المقدمة الأولى ـ أعني : قوله : «لو لم يجب المقدمة لجاز تركها» ـ وإن كانت مسلمة ؛ ولكن المقدمة الثانية ـ أعني : قوله : «ولو ترك لزم إما الخلف أو التكليف بما لا يطاق» ـ غير صحيح ؛ إذ بالترك يسقط التكليف عصيانا ، فإن المقدمة مقدورة ، والعقل حكم بلزوم الإتيان بها إرشادا ، فلم يخرج الواجب عن كونه واجبا ، فجواز ترك المقدمة شرعا ـ في ظرف وجوب الإتيان بها عقلا ـ غير مستلزم لأحد المحذورين.