.................................................................................................
______________________________________________________
وحاصل كلام المصنف في المقام : أن الوجدان أقوى شاهد على أن الإنسان إذا أراد شيئا متوقفا على مقدمات أراد تلك المقدمات قهرا لو التفت إليها.
وحاصل هذا البرهان : أن الوجدان يحكم بالملازمة بين إرادة شيء وإرادة مقدماته ، لو التفت المريد إلى تلك المقدمات ؛ بل قد يأمر المولى عبده بها مولويا فيقول : «ادخل السوق واشتر اللحم».
ويؤيد الوجدان : وجود الأوامر الغيرية المتعلقة ببعض مقدمات بعض الواجبات الشرعية ؛ كالوضوء والغسل ونحوهما للصلاة ، ووجود هذه الأوامر الغيرية أقوى شاهد على وجود الملازمة بين وجوب كل واجب نفسي ووجوب مقدمة من مقدماته ؛ وذلك لوجود المناط في جميع المقدمات ، فيستكشف من وجود أوامر غيرية ـ بالنسبة إلى جملة من المقدمات ـ وجوب غيرها من المقدمات التي لم يرد فيها أمر غيري أيضا ؛ لتحقق ملاكه ومناطه.
٣ ـ استدلال أبي الحسن البصري على وجوب المقدمة بقوله : «إنه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها ، وحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق ، وإلّا خرج الواجب عن كونه واجبا» ، وحاصل هذا الاستدلال هو : لزوم أحد محذورين من : عدم وجوب المقدمة ، وجواز تركها ، وهما : الخلف والتكليف بما لا يطاق.
وقد أورد المصنف على هذا الاستدلال بعد إصلاحه ، فيقع الكلام تارة : في إصلاح هذا الاستدلال ، وأخرى : في بيان ما يرد عليه. وأما إصلاح هذا الدليل بحيث يندرج تحت البراهين التي لها صورة ؛ فيقال : إن المستدل لمّا رتب دليله من قضيتين شرطيتين فلا بد من الملازمة بين المقدم والتالي في كلتا الشرطيتين وهما :
١ ـ «أنه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها».
٢ ـ «وحينئذ فإن بقي الواجب المطلق على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق ، وإلّا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا» ، ولا ملازمة بين مقدمهما وتاليهما بحسب ما هو ظاهر كلام المستدل ، فلا بد من إصلاحهما بحيث تتحقق الملازمة بين المقدم والتالي فيهما ، فيقال في إصلاح الشرطية الأولى : إن المراد من الجواز في تاليها هو : عدم منع شرعيّ عن تركها فيقال : إنه لو لم تجب المقدمة لم يمنع الشارع عن تركها ، والملازمة بين عدم وجوب المقدمة وعدم منع الشارع عن تركها واضحة ؛ إذ لو وجبت المقدمة لكان ممنوع الترك شرعا قطعا.