.................................................................................................
______________________________________________________
الدور من التغاير بين الطرفين بالفعلية والشأنية ـ وإن كان صحيحا في دفع الدور ـ إلّا إنه لا يجري في جميع الموارد ، بل في بعض الموارد ، وهو ما إذا كانت الإرادة من شخص واحد ، كما إذا أراد إيجاد البياض والسواد في زمان واحد ومكان كذلك ؛ حيث يمتنع تعلق إرادة واحدة بشيئين متضادين ، فلا محالة يكون عدم أحد الضدين مستندا إلى عدم المقتضي وهو الإرادة.
وأما إذا كانت الإرادة من شخصين : فعدم أحد الضدين حينئذ مستند إلى وجود المانع فعلا ـ وهو الضد الآخر ـ لا إلى عدم المقتضي ؛ إذ المفروض : وجوده أعني : إرادة إيجاد الضد الآخر من شخص آخر ، فيلزم الدور ؛ لأن التوقف فعلي من الطرفين.
وقد أجاب عنه المصنف بما حاصله : أن عدم أحد الضدين دائما مستند إلى عدم المقتضي حتى في مورد إرادة الضدين من شخصين ؛ لأن المراد بالمقتضي هي الإرادة المؤثرة في المراد ، وهي منتفية في المقام لمغلوبية إحدى الإرادتين ، ومع المغلوبية يكون عدم الضد مستندا إلى عدم المقتضي أعني : الإرادة المغلوبة ، لا إلى وجود المانع حتى يلزم الدور ، فالتفصي عن الدور صحيح ومتين.
وقد أجاب المصنف عن التفصي المذكور بقوله : «غير سديد» ، وحاصل الجواب : أن ما قيل ـ في التفصي عن الدور من التغاير بين الطرفين بالشأنية والفعلية ـ وإن كان دافعا بالتقريب المزبور : لأن الدور مبني على التوقف الفعلي من الطرفين ـ إلّا إن ملاك استحالة الدور ـ وهو : توقف الشيء على نفسه ، وتأخره كذلك ـ باق على حاله ؛ لأن مجرد التوقف الشأني من طرف العدم يكفي في بقاء ملاك الدور ، بتقريب : أن وجود أحد الضدين حيث يتوقف فعلا على عدم الآخر متأخر عنه تأخر المعلول عن علته رتبة ، وعدم الضد الآخر حيث يصلح أن يستند إلى وجود هذا الضد أي : على وجود المقتضي فهو متأخر عن وجود هذا الضد رتبة فيلزم ما ذكرناه : من تقدم الشيء عن نفسه ، وتأخره عن نفسه.
٤ ـ «والمنع عن صلوحه لذلك» أي : هذا إيراد على صلاحية أحد الضدين مانعا عن الآخر وحاصله : أنّنا نمنع مقدمية : عدم أحد الضدين لوجود الآخر المستلزم لأن يكون وجوده مانعا عن الآخر كي يلزم المحذور المذكور ؛ لأن كون عدم أحدهما مستندا إلى الآخر إنما هو على فرض وجود المقتضي وهو محال والمعلق على المحال محال ؛ أي : مقدمية عدم أحد الضدين للآخر معلق على وجود المقتضي المحال فهو أيضا محال ، فلا