وأما بناء على تعلقها بالأفراد فكذلك ، وإن كان جريانه عليه أخفى ، كما لا يخفى ، فتأمل (١).
ثم لا يخفى : أنه بناء على إمكان الترتب وصحته (٢) ، لا بد من الالتزام بوقوعه من دون انتظار دليل آخر عليه ، وذلك لوضوح : أن المزاحمة على صحة الترتب لا تقتضي عقلا إلّا امتناع الاجتماع في عرض واحد ، لا كذلك (٣) ، فلو قيل (٤) بلزوم
______________________________________________________
المزاحم ، فلا ينطبق عليه أصلا ، بل يقوم مقامه لوفائه بغرض واحد يقوم بكل واحد من الأفراد المتباينة ؛ نظير الملاك الواحد القائم بكل واحد من أفراد التخييري وأما بناء على تعلق الأوامر بالطبائع : فليس المأمور به مباينا للفرد المزاحم ، بل يشمله لكون الفرد المزاحم من أفراده بما هو هو وإن لم يكن من أفراده بما هو مأمور به. وهذا الفارق أوجب كون جريان القول بصحة الفرد المزاحم ـ بناء على القول بتعلق الأوامر بالأفراد ـ أخفى من جريانه على القول بتعلقها بالطبائع ، لأن داعوية الأمر المتعلق بفرد لفرد آخر أخفى من داعوية الأمر بالطبيعة للفرد.
(١) لعله إشارة إلى ما تقدم من : أن وجود الملاك في الفرد الخارج عن تحت الأمر لا يصحح الإتيان بذاك الفرد بداعي الأمر المتعلق بالطبيعة أو بفرد آخر ، وليس هذا إلّا من قبيل الإتيان بصلاة الصبح بداعي الأمر المتوجه إلى صلاة الظهر مثلا ؛ لوجود الملاك وهو : المعراجية مثلا ، فالأمر بالتأمل حينئذ إشارة : إلى صحة ما تقدم من قوله : «ودعوى إن الأمر لا يكاد يدعو إلّا إلى ما هو من أفراد الطبيعة المأمور بها».
(٢) أي : صحة الترتب.
والغرض من هذا الكلام : بيان ما هو المهم في بحث الترتب ؛ وهو : إثبات إمكانه.
وأما وقوعه فلا حاجة إلى البحث عنه ، بل إمكانه مساوق لوقوعه ؛ لأن المفروض : وجود الخطابين المتزاحمين في الشرعيات ، كالأمر بالصلاة ، وإنقاذ الغريق المؤمن ، والمزاحمة لا تقتضي عقلا إلّا امتناع اجتماع المتزاحمين عرضا لا طولا ـ كما هو قضية الترتب ـ فإن جعل أحدهما في طول الآخر رافع لهذا المحذور العقلي. فبناء على إناطة صحة العبادة بالأمر ، وعدم كفاية مجرد الملاك في صحتها ـ كما هو مبنى القائلين ببطلان الترتب وعدم معقوليته ـ كانت العبادة مأمورا بها بأمر فعلي موجب لصحتها ، كما في «منتهى الدراية» ، ج ٢ ، ص ٤٩٢.
(٣) أي : لا بنحو الترتب. بمعنى : إن العقل لا يحكم بامتناع الاجتماع على نحو الترتب والطولية ، إنما يحكم بامتناع الاجتماع على نحو العرضية.
(٤) أي : كما نسب إلى القدماء ، واختاره غير واحد من متأخري المتأخرين.