لاستصحاب الجواز ، إلّا بناء على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ؛ وهو : ما إذا شك في حدوث فرد كلي مقارنا لارتفاع فرده الآخر ، وقد حققنا في محله : إنه لا يجري الاستصحاب فيه ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القوية أو الضعيفة المتصلة بالمرتفع ، بحيث عدّ عرفا ـ لو كان ـ أنه باق ، لا أنه أمر حادث غيره : ومن المعلوم : (١) أن كل واحد من الأحكام مع الآخر عقلا وعرفا ، من المباينات والمتضادات غير الوجوب والاستحباب ، فإنه (٢) وإن كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلا إلّا أنهما متباينان عرفا فلا مجال للاستصحاب إذا
______________________________________________________
الكلي الذي اختار المصنف عدم جريانه فيه ؛ إذ مع تعدد الوجود ينتفي الشك في البقاء الذي هو أحد ركني الاستصحاب.
نعم ؛ يستثنى منه : ما إذا كان الفرد المشكوك حدوثه ليس فردا مغايرا للأول في نظر العرف ؛ كما إذا كان نظير الشك في بقاء كلي السواد الموجود سابقا في ضمن مرتبة قوية منه للشك في ذلك الفرد في ضمن مرتبة ضعيفة ؛ بحيث يعد في العرف أنه من تغير الحالات لا من تعدد الأفراد ، فإنه لا مانع من إجراء الاستصحاب هنا ، ولكن الأحكام ليست كذلك ، بل هي متغايرة عرفا.
(١) غرض المصنف : أن المقام ليس من موارد الاستثناء ؛ بتقريب : أن الوجوب والاستحباب من قبيل السواد الشديد والضعيف ، لأن الاختلاف بينهما في المرتبة ، فإذا شك في بقاء الجواز في ضمن الاستحباب : صح إجراء استصحاب الكلي.
وحاصل الجواب : أن الاختلاف بين الوجوب والاستحباب إنما هو بالتباين ، إذ هما فردان متغايران عرفا ، ومن المعلوم : أن المعيار في باب الاستصحاب هو نظر العرف.
نعم ؛ الاستحباب يكون من مراتب الوجوب عقلا ، لكن لا يجري فيه الاستصحاب أيضا ؛ لعدم صدق الشك في البقاء عرفا لتضاد الوجوب والاستحباب بنظره الذي هو المدار في جريان الاستصحاب.
(٢) الضمير للشأن. وغرض المصنف : أن التضاد عقلا وعرفا مختص بغير الوجوب والاستحباب ، وأما هما : فتضادهما يكون بنظر العرف فقط ، وأما بنظر العقل فلا تضاد بينهما ، إنما هما متفاوتان بالمرتبة ، وأن الوجوب هو المرتبة الشديدة من الطلب ، والاستحباب مرتبة ضعيفة منه ، لكن لمّا كانا بنظر العرف متضادين ، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه ؛ ضرورة : أن صدق الشك في البقاء منوط بنظر العرف ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٥٣٩».