كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام.
ضرورة : أن ثبوت كل واحد من الأحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعا ممكن.
ولا دلالة لواحد من دليلي الناسخ والمنسوخ بإحدى الدلالات على تعيين واحد منها ، كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا بدّ للتعيين من دليل آخر (١) ، ولا مجال (٢)
______________________________________________________
وأما عدم دلالة الدليل الناسخ على بقاء الجواز مطلقا : فلأنه لا يدل على أزيد من رفع الوجوب ونفيه ، ولا يدل على بقاء الجواز لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما.
وأما عدم دلالة الدليل المنسوخ : فلأن مفاده هو الوجوب ، وهو بسيط عند المصنف ، والمفروض : ارتفاعه بدليل الناسخ.
فالمتحصل : أن الدليل الناسخ لا يقتضي سوى رفع الحكم الثابت وهو الوجوب ، من دون تعرض إلى حال الجواز نفيا وإثباتا.
وأما الدليل المنسوخ الدال على الوجوب : فعدم دلالته على الجواز ـ مع فرض بساطة الوجوب ـ واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، فلا دلالة لهما على بقاء الجواز.
وأما عدم دلالتهما على ثبوت غيره من الأحكام الباقية ، فلأن كل واحد من تلك الأحكام ـ وإن كان ممكن الثبوت للمورد ـ إلّا إن واحدا من دليلي الناسخ والمنسوخ لا يدل بإحدى الدلالات على تعيين خصوص واحد من تلك الأحكام ، فلا بدّ لتعيين حكم للمورد من دليل آخر غير دليلي الناسخ والمنسوخ.
(١) يعني : غير دليلي الناسخ والمنسوخ.
(٢) هذا الكلام من المصنف إشارة إلى التمسك بالأصل بعد فقد الدليل الاجتهادي ؛ بأن يقال : يمكن إثبات الجواز بالاستصحاب لليقين به قبل النسخ ، والشك فيه بعده ، فيثبت الجواز بالأصل يعني : استصحاب الجواز بعد ارتفاع الوجوب بالنسخ. فدليل كل من الناسخ والمنسوخ وإن كان قاصرا عن إثبات الجواز بعد النسخ ، لكن يمكن ابقاؤه بعده بالاستصحاب ؛ لليقين السابق والشك اللاحق.
ثم أورد المصنف على الاستصحاب المذكور بما حاصله : أن هذا الاستصحاب لا يجري لكونه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، وضابطه : الشك في بقاء الكلي الموجود في ضمن فرد للشك في حدوث فرد آخر ، مقارنا لارتفاع الفرد السابق ، وما نحن فيه من هذا القبيل إذ قد علم بارتفاع الجواز الموجود في ضمن الوجوب وشك في وجود جواز آخر مقارنا لارتفاعه ، وهذا هو القسم الثالث من أقسام استصحاب