.................................................................................................
______________________________________________________
٣ ـ للواجب الكفائي أحكام متفق عليها بين القوم.
منها : أنه لو تركه الجميع لكانوا معاقبين بأجمعهم.
ومنها : أنه يمتثل بفعل واحد منهم. ومنها : لو أتى به الجميع يعد الجميع ممتثلا ومستحقا للثواب.
إذا عرفت هذه الأمور فنقول : إنه لا ريب في وجود الواجبات الكفائية شرعا وهي : الأمور التي يجب تحققها من دون عناية إلى صدورها من شخص خاص ، بل المطلوب صدورها عن جميع المكلفين ، ولكن مع قيام البعض يسقط عن الباقين ، كما عرفت.
ولكن قد صار تصوير الواجب الكفائي من المشكلات عندهم ، حيث أرادوا تصويره بنحو ينطبق عليه التعريف الذي ذكروه لمطلق الواجب ، أعني : ما يكون في فعله ثواب ، وفي تركه عقاب.
أما تقريب الإشكال في تصويره : فلأن عقاب الكل عند ترك الجميع ينافي سقوط الواجب بفعل البعض ، إذ لازم عقاب الكل هو : توجه التكليف والوجوب إلى كل واحد منهم ، ولازم السقوط بفعل البعض هو : توجهه إلى البعض لا إلى كل منهم. هذا خلاصة الإشكال في تصوير الواجب الكفائي ، وقد تصدّوا لحل هذا الإشكال بالفرق بين الواجب العيني والواجب الكفائي ، وغاية ما يمكن أن يقال في الفرق بينهما هو : أن مطلوب المولى في الوجوب الكفائي هو : وجود الطبيعة المطلقة ، غير مقيدة بصدورها عن مكلف خاص ، فليس لصدورها عن فاعل خاص دخل في الغرض ، هذا بخلاف الوجوب العيني حيث يكون صدور الطبيعة المأمور بها عن كل مكلف بشخصه ونفسه مطلوبا للمولى ، ودخيلا في الغرض ، فحينئذ لمّا كان كل واحد من المكلفين قادرا على إيجاد الطبيعة المأمور بها في الواجب الكفائي ، يتوجه طلب المولى إلى كل واحد منهم لعدم خصوصية موجبة للتخصيص بواحد منهم.
فالمتحصل : أن التكليف يتوجه إلى كل واحد من المكلفين مستقلا. ولكن ما كلف به كل واحد منهم عبارة عن أصل الطبيعة غير المقيدة بصدورها عن نفسه ، ففي مسألة دفن الميت مثلا : يكون كل واحد من الناس مكلّفا مستقلا ، ولكن المكلف به في الجميع أمر واحد ، فكما أن زيدا مكلف بإيجاد طبيعة الدفن ؛ فكذلك سائر المكلفين ، من غير ان تكون هذه الطبيعة مقيدة بصدورها عن زيد نفسه وبالمباشر ، وعن عمرو وبكر وخالد كذلك ، ولازم هذا النوع من الوجوب هو : سقوط جميع التكاليف بامتثال واحد منهم ؛