وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات : فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان ، إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني ، فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فما ذكر من اعتبار وجود الملاكين في مسألة الاجتماع دون التعارض : هو الفرق بينهما بحسب مقام الثبوت عند العدلية ؛ القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.
أما الكلام في مقام الإثبات فقد أشار إليه بقوله : «وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات ...» إلخ.
وتوضيح الفرق بين التزاحم والتعارض في مقام الإثبات يتوقف على مقدمة وهي أنه : «تارة :» يحرز أن المناط من قبيل الثاني ؛ بمعنى : أن أحد المناطين بلا تعيين موجود في المجمع دون الآخر.
و «أخرى :» يحرز أن المناط من قبيل الأول ؛ بمعنى : أن كلا من المناطين موجود في المجمع.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الدليلين الدالين على الحكمين متعارضان بالنسبة إلى المجمع في الصورة الأولى ـ وهي إحراز أحد المناطين ـ بلا فرق بين الجواز والامتناع ، فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح أو التخيير.
هذا بخلاف الصورة الثانية ؛ فيكون الدليلان فيها متزاحمان بالنسبة إلى المجمع ، فربما كان الترجيح مع ما هو أقوى مناطا ؛ وإن كان أضعف دليلا.
ولكن التزاحم إنما هو على الامتناع ، وإلّا فعلى الجواز لا تعارض ولا تزاحم أصلا ؛ لعدم التنافي بينهما باعتقاد المجوّز.
وهناك صورة ثالثة وهي : ما إذا أحرز أنه لا مناط في المجمع أصلا ، فالدليلان حينئذ ليسا بمتعارضين ، ولا بمتزاحمين ؛ لا على الجواز ولا على الامتناع. إلّا إن عبارة المصنف ـ في مقام الإثبات ـ قاصرة جدا عن إفادة المراد ، فإن العبارة لم تستقص جميع صور مقام الإثبات. فتدبر.
وكيف كان ؛ فإن علاج الدليلين الدالين على الحكمين ـ الدائر أمرهما بين التزاحم ، والتعارض ـ يكون بإعمال قاعدة التزاحم ؛ وهي : الترجيح بقوّة المناط إن أحرز كونه من التزاحم ، وبإعمال قواعد التعارض ؛ وهي : الترجيح بالمرجحات المقررة للمتعارضين إن أحرز كونه من التعارض.
وأما إثبات كون المناط من أي القبيلين ، وطريقة معرفته : فالمتكفل له الأمر التاسع ، فالمائز بين الأمر التاسع وهذا الأمر هو : أن هذا الأمر متكفل لمقام الثبوت ، وأن هناك