إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة : ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان ، والزجر عنه في ذاك الزمان ، وإن لم يكن بينها مضاده ما لم يبلغ إلى تلك
______________________________________________________
المصنف. في المقدمة الأولى من التضاد بين الأحكام. يتوقف على مقدمة : وهي مشتملة على أمور :
الأول : أن للحكم أربعة مراتب عند المصنف «قده» :
١. مرتبة الاقتضاء. ٢. مرتبة الإنشاء. ٣. مرتبة الفعلية. ٤. مرتبة التنجز.
الثاني : أن هذه المراتب طولية بمعنى : إنه ما لم تتحقق المرتبة السابقة لا موضوع للمرتبة اللاحقة ، فتحقق كل مرتبة يتوقف على وجود سابقتها.
الثالث : بيان الفرق بين هذه المراتب.
وخلاصة الكلام في الفرق : أن مرتبة الاقتضاء هي مرتبة الملاك أعني : المصلحة والمفسدة المستتبعتين للحسن والقبح الذاتيين لا الفعليين ، فإن الفعل المشتمل على المصلحة حسن ذاتا ، والمشتمل على المفسدة قبيح كذلك.
ومرتبة الإنشاء هي مرتبة جعل القانون عرفا ، وإنشاء الحكم على طبق المصلحة والمفسدة شرعا.
ومرتبة الفعلية هي : مرتبة بيان الحكم وإعلامه وإبلاغه للمكلف ؛ بحيث يبلغ الحكم مرتبة البعث والزجر.
وأما مرتبة التنجز فهي : مرتبة انقطاع عذر المكلف ببلوغ الحكم إليه وقدرته عليه ، فإذا علم به وهو متمكن من امتثاله فقد تنجز عليه التكليف ، فحينئذ لا عذر له في تركه ، فالحكم قبل أن يبلغ إلى مرتبة الإعلام والإبلاغ إنشائي ، وإذا بلغ إلى مرتبة الإعلام والإبلاغ قبل بلوغه إلى المكلف وعلمه به فهو فعلي. وبعد بلوغه إليه وعلمه به منجز.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن التضاد بين الأحكام ليس في جميع المراتب ، فلا تضاد بين الاقتضائيين ولا بين الإنشائيين ، ضرورة : إمكان اجتماع الملاكين وإنشاء الحكمين. وإنما التضاد بين الحكمين الفعليين ؛ إذ يستحيل اجتماع إرادتي الفعل والترك أي : يلزم التكليف المحال من المولى ، لا إنه تكليف بالمحال ، فيستحيل حتى عند من يجوز التكليف بالمحال كالأشاعرة.
والمتحصل : أن التضاد إنما هو في مقام الفعلية دون الاقتضاء والإنشاء ، إذ لا مانع من إنشاء حكم بمجرد وجود مقتضيه ولو مع اقترانه بالمانع. فإن الإنشاءات المجرّدة عن الإرادة والكراهة لا تنافي بينها ، فتجتمع كاجتماع مقتضياتها.