مصلحة موافقة للغرض ، وإن كان مصلحة الترك أكثر فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين ، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن (١) أهم في البين ، وإلّا فيتعين الأهم وإن كان الآخر يقع صحيحا ، حيث إنه (٢) كان راجحا وموافقا للغرض ، كما (٣)
______________________________________________________
الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين ويجرى عليهما حكم التزاحم من التخيير مع تساويهما في الملاك ، والتعيين مع أهمية أحدهما ، ففي مثل صوم يوم عاشوراء يكون أرجحية تركه من فعله لأجل انطباق عنوان راجح عليه ؛ كمخالفة بني أمية ، حيث إن مخالفتهم أهم في نظر الشارع من مصلحة الصوم ، ولذا صار الترك أرجح من الفعل ، كما هو الشأن في سائر موارد التزاحم ، فإن الأهم يقدّم على المهم مع بقاء مصلحة المهم بحالها ، ولذا لو صام صح بناء على كفاية الملاك في صحة العبادة ، وعلى هذا : فالحكم الفعلي في القسم الأول من العبادات المكروهة هو الكراهة ، فلم يجتمع فيها أمر ونهي حتى يقال بجواز الاجتماع ، وتكون العبادات المكروهة برهانا عليه.
وحاصل الوجه الثاني : أن أرجحية الترك يمكن أن تكون لأجل ملازمة الترك لعنوان ملازم معه لا منطبق عليه ؛ كملازمة ترك صوم يوم عاشوراء لحال البكاء والجزع على الحسين المظلوم «عليهالسلام» ، وكملازمة ترك صوم يوم عرفة للنشاط في الدعاء ، والمفروض : أن مصلحة البكاء في يوم عاشوراء أو الدعاء في يوم عرفة أرجح من مصلحة صومهما. فالنهي عن صومهما يكون لملازمة تركه لهذين العنوانين أو غيرهما.
والفرق بين الوجهين : أن الترك على الوجه الأول يكون متعلق البعث حقيقة ؛ لانطباق العنوان الراجح عليه واتحاده معه. بخلاف هذا الوجه الثاني حيث إن الترك بناء عليه لا يكون متعلق الطلب حقيقة ؛ لعدم انطباق العنوان الملازم الذي تكون المصلحة قائمة به عليه ، فإسناد الطلب إلى الترك حينئذ يكون بالعرض والمجاز ، نظير إسناد الإنبات إلى الربيع ، والجريان إلى النهر والميزاب ، والحركة إلى جالس السفينة كما لا يخفى.
وكيف كان ؛ فيكون الترك على هذا الوجه الثاني كالترك على الوجه الأول وهو انطباق العنوان عليه ؛ فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي على كلا الوجهين ، فلا تكون العبادات المكروهة من أدلة الجواز.
(١) هذا بيان لحكم التزاحم ، وحيث إن المفروض هو أهمية الترك فيتعين.
(٢) أي : الآخر المراد به الفعل. وهذا تعليل لوقوع المزاحم المهم. وهو الفعل. صحيحا ، وحاصل وجه صحته : موافقته للغرض ، وهو المصلحة.
(٣) أي : كما وقوع الآخر صحيحا جار في سائر المستحبات المتزاحمات ، فإذا أتى بالمستحب المهم وترك المستحب الأهم وقع صحيحا ؛ لاشتماله على المصلحة.