الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها ، وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء ، وإنما الفرق بينهما أنها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو ، والحروف (١) وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات ، فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى ؛ بل من مشخصات الاستعمال كما لا يخفى على أولي الدراية والنّهى. فالطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق قابل لأن يقيد ؛ مع إنه لو سلم أنه فرد (٢) فإنما يمنع عن
______________________________________________________
المفهومية التي هي موضوع الإطلاق والتقييد ، فيكون المعنى الحرفي كالمعنى الاسمي كليا قابلا للإطلاق والتقييد.
فكل من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف عام ، والخصوصية تنشأ من ناحية الاستعمال ؛ فيمتنع دخلها في الموضوع له ، كما أشار إليه بقوله : «وإنما الخصوصية ...» إلخ.
وبالجملة : أن المعنى الحرفي كلي قابل للتقييد ؛ كالمعنى الاسمي ، فلا مانع حينئذ من رجوع القيد إلى الهيئة لكون معناها كليا لا جزئيا حقيقيا ، ويصح أن يقال : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، ويراد منه : أن الطلب عند المجيء ثابت لإكرام زيد.
(١) أي : غاية ما يقال في الفرق بين الاسم والحرف هو : أن الاسم وضع ليراد معناه بما هو هو ، والحرف وضع ليراد معناه حالة لغيره ، واللحاظان خارجان عن المعنى ، فلا يكون معناهما جزئيا ذهنيا. فإن لحاظ الآلية في الحروف كلحاظ الاستقلالية في الأسماء إنما هو من مشخصات الاستعمال ، لا من خصوصيات المعنى ، ومن طوارئه ، ولوازمه كما لا يخفى على أولى الدراية والنهى.
(٢) هذا هو الجواب الثاني عن الوجه الأول ، وحاصل ما أفاده المصنف من الجواب عن الوجه الأول :
ثانيا : أننا لو سلمنا أن الهيئة مستعملة في الفرد من الطلب فنقول : إن الفرد لا يقبل التقييد إذا أنشئ أولا مطلقا ، ثم أريد تقييده ، فهذا الفرد لا يمكن تقييده عقلا ؛ لأن الفرد بمجرد الإنشاء يتشخص بتشخص خاص ، ولا يعقل انقلاب الشخص المنشأ مطلقا إلى الشخص المقيد ، هذا بخلاف ما إذا أنشئ من أول الأمر مقيدا بحيث يلاحظ القيد والمقيد فيصبّ عليهما الإنشاء مرة واحدة ، فالممتنع هو الأول دون الثاني.
وبعبارة أخرى : أن التقييد على قسمين : أحدهما : إيجاد شيء مقيدا ومضيقا ؛ نظير ضيق فم الركية. والآخر : تضييق ما أوجد موسعا ، والمقام نظير القسم الأول.