.................................................................................................
______________________________________________________
توضيح ذلك بعد تقديم مقدمة وهي : أن الأحكام ـ على ما هو الحق عند العدلية ـ تابعة للمصالح والمفاسد ؛ إما في نفس الأحكام ، أو في متعلقاتها ، ثم تلك المصالح تارة : لا يكون حصولها مشروطا بشرط ، وأخرى : يكون حصولها مشروطا بشرط.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن حال الطلب النفساني الذي يظهر وينقدح في نفس الطالب والآمر كحال الإرادة ، فإن الإنسان إذا راجع وجدانه والتفت إلى شيء فقد لا يريده أصلا ، وقد يريده على كل حال وتقدير ، وقد يريده على تقدير دون تقدير ، وحال دون حال ، بل الطلب هو نفس الإرادة على ما سبق في بحث اتحاد الطلب والإرادة.
ثم وجه اختلاف الطلب والحكم إطلاقا وتقييدا : أن الإنسان قد يتوجه إلى شيء فيتعلق به طلبه النفساني لأجل ما فيه من المصلحة ، ولكن ربما يمنعه المانع عن إنشاء الطلب المطلق الحالي ، فيضطر الإنسان إلى إنشاء طلب مشروط بشرط مترقب الحصول المقارن لزوال المانع ثبوتا لتحصيل تلك المصلحة.
هذا ظاهر بناء على تبعية الأحكام للمصالح في متعلقاتها.
وأما بناء على تبعية الأحكام للمصالح في نفس الأحكام : فالأمر أوضح وأظهر ؛ لأنه كما تكون المصلحة في الحكم المطلق بلا قيد ؛ فكذا تكون المصلحة في الحكم المشروط. الأول : كوجوب الصلاة بالإضافة إلى الطهارة. الثاني : كوجوب الحج بالإضافة إلى الاستطاعة ؛ إلّا إن الحكم الفعلي قد يتخلف عن المصلحة التامة الكاملة على كلا القولين ـ هما تبعية الأحكام للمصالح في متعلقاتها أو في أنفسها ـ كما في موارد قيام الأمارات ، أو الأصول العملية على خلاف الأحكام الواقعية الموجب لسقوطها عن الفعلية.
والحال : أن المصالح في متعلقاتها محفوظة. وكما في بعض الأحكام في أول البعثة ، فكم من واجب فيه مصلحة تامة ، والحكم كان مجعولا في الواقع على طبق المصلحة ؛ ومع ذلك كان للنبي «صلىاللهعليهوآله» مانع عن إنفاذه وإظهاره. ومقام البحث من هذا القبيل ؛ بمعنى : أنه قد يكون الشيء فيه مصلحة تامة ، ويتبعها الحكم الواقعي ، ولكن يمنع وجود المانع الآمر عن إنشاء الطلب المطلق الفعلي ، فحينئذ ينشئ الطلب المشروط الثابت على تقدير شرط متوقع الحصول المقارن لزوال المانع ؛ خوفا من أن لا يتمكن من الجعل والإيجاد المطلق عند زوال المانع ، فينشئ الطلب من الآن مشروطا بشرط ، ومقيدا بقيد حتى يصير الحكم فعليا عند حصول الشرط بنفسه ؛ بلا حاجة إلى خطاب جديد آخر.