.................................................................................................
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فقد يقال : إن قياس الإنشاء بالإخبار قياس مع الفارق ؛ بناء على ما هو نظرية المشهور من أن الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ، فيكون الإنشاء والمنشأ نظير الإيجاد والوجود ، فلا يمكن تخلف المنشأ عن الإنشاء ، كما لا يتخلف الوجود عن الإيجاد.
وأما بناء على ما هو نظرية الأستاذ السيد الخوئي «قدسسره» ؛ من أن الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج بمبرز من قول أو فعل : فيصح قياس الإنشاء بالإخبار في صحة التعليق ، ويندفع الإشكال المذكور من أصله ؛ إذ يمكن أن يكون الاعتبار حاليا ، والمعتبر أمرا متأخرا ، كاعتبار وجوب الصوم على زيد غدا ، فالتفكيك بين الاعتبار والمعتبر ـ وإن كان يلزم ـ إلّا إنه لا محذور فيه ، ولا يقاس ذلك بالتفكيك بين الإيجاد والوجود في التكوينيات ، ويشهد لما ذكرناه صحة الوصية التمليكية ، فلو قال الموصي : هذه الدار لزيد بعد وفاتي ؛ فلا شبهة في تحقق الملكية للموصى له بعد وفاته ، مع إن الاعتبار فعلي ، ومن البديهي : أن هذا ليس إلّا من ناحية أن الموصي اعتبر فعلا الملكية للموصى له في ظرف الوفاة. ومن هنا لم يستشكل أحد في صحة تلك الوصية حتى من القائلين برجوع القيد إلى المادة دون الهيئة.
قوله : «فتأمل جيدا» لعله إشارة إلى إشكال وجواب. وأما تقريب الإشكال فيقال : إن المنشأ إذا كان بعد حصول الشرط يلزم تأثير المعدوم في الموجود ؛ لأن الإنشاء حين وجود الشرط معدوم.
وأما الجواب : فأوّلا : بالنقض ، وهو أن المنشأ إذا كان بعد حصول الشرط المتقدم يلزم تأثير المعدوم في الموجود ؛ إذ المفروض : أن الشرط المتقدم أيضا جزء من العلة ، فلولاه لم يكن وجوب.
وثانيا : بالحل ، وهو : أن المنشأ أمر اعتباري ، فيصح أن يكون منشؤه متقدما كما تقدم بيانه في تصوير الشرط المتأخر هذا تمام الكلام في الجواب عن الدليل الأول للشيخ.
وأما الجواب عن دليله الثاني وهو : حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّا ؛ فقد أشار إليه بقوله «ففيه : أن الشيء إذا توجه إليه وكان موافقا للغرض ...» إلخ.
وحاصل ما أجاب المصنف عن الدعوى الثانية للشيخ الأنصاري ـ وهي : لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّا ـ هو : صحة رجوع الشرط إلى الهيئة ، وعدم امتناعه ، بلا فرق بين القول بتبعية الأحكام لما في أنفسها من المصالح والمفاسد ، وبين القول بتبعيتها لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد على ما عليه الأكثر.