حصوله طلب وبعث ، وإلّا لتخلف عن إنشائه وإنشاء أمر على تقدير كالإخبار به (١) بمكان من الإمكان ، كما يشهد به الوجدان ، فتأمل جيدا.
______________________________________________________
الطلب لا يحصل إلّا بعد حصول شرطه حسب الفرض ، والمفروض : أن الإنشاء حالي ، والمنشأ ـ وهو الطلب ـ استقبالي ، فينفك الإنشاء عن المنشأ ، وهو مستحيل ؛ لاستحالة انفكاك المعلول عن العلة ؛ لأن الإنشاء علة للمنشإ ، فحينئذ لا محيص عن رجوع الشرط إلى المادة كما هو رأي الشيخ الأنصاري.
وقد أجاب عن هذا الاعتراض بقوله : «قلت : المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله ...» إلخ.
وتوضيح ما أفاده المصنف من الجواب يتوقف على مقدمة وهي : أن الإنشاء ـ وإن كان علة للمنشإ ـ إلّا إنه ليس علة تامة في جميع الموارد ؛ بل قد يكون علة تامة كإنشاء الوجوب للصلاة مثلا على نحو مطلق وبلا قيد ، فلا يلزم الانفكاك أصلا لحصولهما فعلا. وقد يكون علة ناقصة ؛ بأن يكون الإنشاء جزء العلة ، وجزؤها الآخر هو الشرط ؛ كإنشاء الوجوب للحج بشرط الاستطاعة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يلزم الانفكاك على الأول ، وأما على الثاني : وإن كان يلزم ذلك إلّا إنه مما لا محذور فيه ؛ لورود الإنشاء على المقيد بشرط ، فحصوله بمجرد الإنشاء مستلزم للخلف ، فشأن الإنشاء حينئذ هو شأن الإرادة في أنه إذا تعلقت بشيء متأخر فلا يقع المراد قبله ، وإلّا يلزم الخلف وكذا الإنشاء ؛ فإذا تعلق بشيء مقيد بأمر متأخر فلا يقع المنشأ قبله.
(١) أي : كالإخبار بأمر على تقدير «بمكان من الإمكان» ؛ أي : فكما لا يوجب تعليق المخبر به ـ في قولك : إن جاء زيد يكرمه عمرو ـ تعليقا في الإخبار ؛ فكذلك تعليق المنشأ لا يوجب تعليقا في الإنشاء ، فتوهم : كون المنشأ والإنشاء كالإيجاد والوجود التكوينيين غير قابلين للتعليق ، وأن تعليق المنشأ يسري إلى الإنشاء فاسد ؛ لعدم صحة قياس المنشأ والإنشاء بالإيجاد والوجود ، بل الإنشاء نظير الإخبار ؛ لا الإيجاد التكويني ، فالإنشاء لأمر على تقدير كالإخبار به على تقدير بمكان من الإمكان ، «كما يشهد به» أي : بإمكان إنشاء أمر على تقدير أمر «الوجدان» ؛ كإنشاء تمليك معلق على الموت في الوصية التمليكية مثلا.
وقيل : كان الأولى على المصنف تبديل ـ الوجدان ـ بالدليل ؛ لأن ترتب الأثر في موارد تخلف المنشأ عن الإنشاء زمانا إنما هو بالدليل الشرعي ، لا الوجدان ، إلّا إن يريد بالوجدان حكم العقلاء والعرف بذلك ، غاية الأمر : أن الشرع أمضاه.