لكونه شموليا ، بخلاف المطلق فإنه بالحكمة ، فيكون العام أظهر منه فيقدم عليه ، فلو فرض أنهما في ذلك على العكس ، فكان عام بالوضع دل على العموم البدلي ، ومطلق بإطلاقه دل على الشمول ، لكان العام يقدم بلا كلام.
وأما في الثاني (١) : فلأن التقييد وإن كان خلاف الأصل ، إلّا إن العمل ـ الذي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة ، وانتفاء بعض مقدماته ـ لا يكون على خلاف الأصل أصلا ، إذ معه لا يكون هناك إطلاق ؛ كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد الذي يكون على خلاف الأصل.
وبالجملة : لا معنى لكون التقييد خلاف الأصل إلّا كونه (٢) خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة ، ومع انتفاء المقدمات (٣) لا يكاد ينعقد له هناك
______________________________________________________
(١) بعد ما فرغ المصنف عن جواب الوجه الأول شرع في الجواب عن الوجه الثاني وهو : استلزام تقييد الهيئة لارتكاب خلاف أصلين ، واستلزام تقييد المادة ارتكاب خلاف أصل واحد.
وحاصل الجواب عن الوجه الثاني يتضح بعد تقديم مقدمة وهي : الفرق بين تقييد إطلاق المطلق بعد انعقاده بجريان مقدمات الحكمة ، وبين إيجاد المانع عن جريان مقدمات الحكمة ، الموجبة لانعقاد إطلاق المطلق.
وحاصل الفرق : أن الأول مخالف للأصل دون الثاني ؛ إذ ليس إيجاد المانع عن انعقاد الإطلاق كالتقييد في المخالفة للأصل ؛ لأن المراد بالأصل هنا هو الإطلاق ، ومن المعلوم : إنه لا إطلاق عند عدم جريان مقدمات الحكمة.
إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك : أن ما ذكر من كون التقييد في الهيئة يوجب بطلان الإطلاق في المادة ـ وهو خلاف الأصل ـ غير تام ؛ إذ تقييد الهيئة لا يوجب تقييد إطلاق المادة حتى يكون على خلاف الأصل.
بل تقييد الهيئة يوجب عدم انعقاد الإطلاق في جانب المادة ، وهذا ليس مخالفا للأصل أصلا.
فقول الشيخ في بيان الكبرى ـ حيث قال : «ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الإطلاق ، وبين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر وبطلان العمل به» ـ غير مستقيم ؛ لما عرفت من الفرق بينهما : من أن الأول : على خلاف الأصل دون الثاني. فالقياس بينهما قياس مع الفارق.
(٢) أي : كون التقييد «خلاف الظهور ...» إلخ.
(٣) أي : يكفي في عدم انعقاد الإطلاق انتفاء إحدى مقدمات الحكمة ، من دون الحاجة إلى انتفاء الجميع.