هذا مع أنّه (١) لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد ؛ لدلالته على الحرمة التشريعية ، فإنّه لا أقل من دلالته على إنّها ليست بمأمور بها وإن عمّها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه.
نعم (٢) ؛ لو لم يكن النهي عنها إلّا عرضا ، كما إذا نهي عنها فيما كانت ضدّ الواجب مثلا ، لا يكون مقتضيا للفساد ، بناء (٣) على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ إلّا كذلك ـ أي : عرضا ـ فيخصّص (٤) به أو يقيّد.
______________________________________________________
متقوّمة بالقصد ـ إلّا إنّ الفعل يتصف بها ، وحينئذ يجتمع المثلان كما ذكره المستشكل. فمراده : حرمة نفس الفعل بحرمتين ، واتصافه بهما.
(١) الضمير للشأن ، وهذا إشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه الّتي أجاب بها المصنف عن الإشكال ، وقد تقدم حاصل ما أفاده المصنف من الجواب.
وحاصل هذا الوجه بعبارة أخرى : أنّه سلّمنا أن النهي عن العبادة لا تكون نهيا ذاتيا ؛ إلّا إنّه لا أقلّ من كونه إرشادا إلى الفساد لانتفاء ملاك العبادية من أمر أو مصلحة ، فيخرج عن عمومات حسن العبادة وإطلاقاته ، فيكون التقرب تشريعا مفسدا ؛ إلّا إنّ هذا يتمّ في مثل الصوم المتوقف عباديّته على الأمر لا في مثل السجود لله تعالى ، فإنّه عبادة ذاتية من دون حاجة إلى أمر ، فالنهي عنه إرشادا إلى عدم الأمر به لا يدل على فساده.
(٢) هذا استدراك على قوله : «لكان دالا على الفساد» ، وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٨٤» ـ : أن ما ذكرناه من دلالة النهي على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية إنّما هو فيما إذا لم يكن النهي عرضيا ؛ كالنهي عن ضدّ الواجب كالصلاة المضادة للإزالة بناء على كون النهي عن ضدّ الواجب عرضيا ، حيث إن المنهي عنه حقيقة هو ترك الإزالة مثلا ، فالنهي عن الصلاة ونحوها ممّا يلازم ترك الإزالة يكون عرضيا لا حقيقيا ، والنهي العرضيّ لا يقتضي الفساد.
(٣) يعني : أنّ كون النهي عن ضدّ الواجب عرضيا مبنيّ على أن لا يكون النهي الذي يقتضيه الأمر بالشيء إلّا نهيا عرضيا.
(٤) يعني : فيخصّص أو يقيّد بهذا النهي العرضي عموم أو إطلاق النهي الدّال على الفساد.
فالمتحصّل : أنّ النهي بأنحائه الثلاثة ـ من الذاتي والتشريعي والإرشادي ـ يدلّ على فساد العبادة المنهي عنها بأحد هذه الأنحاء الثلاثة.