حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنه من المعلوم : أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره (١) ، بل ربما قيل (٢) : إنه لا وجه
______________________________________________________
وبعبارة أخرى ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٠٣» ـ أن حمل المطلق على المقيد ليس من دلالة الوصف على المفهوم ؛ بل لأجل كون المطلوب صرف الوجود من الطبيعة ، لا مطلق الوجود ، فدليل التقييد قرينة على المراد ، وإن موضوع الحكم ليس مطلقا ؛ بل هو مقيد بقيد الإيمان في المثال المزبور ، فبانتفاء القيد ينتفي شخص الحكم عن موضوعه. وقد مر أن انتفاءه عن موضوعه عقلي ، وأجنبي عن المفهوم الذي هو انتفاء سنخ الحكم ، فالتنافي بين المطلق والمقيد الموجب للتقييد ناش عن كون الموضوع صرف الوجود المنطبق على أول الوجود ، سواء كان مؤمنا أم كافرا على ما يقتضيه الأمر بالمطلق كالرقبة. ودليل القيد يدل على تقييد المطلق بحيث لا يسقط الأمر بفاقد القيد.
فوجه حمل المطلق على المقيد هو : تضييق دائرة الموضوع ، ومطلوبية صرف الوجود الواجد للقيد ، فالفاقد له غير محكوم بحكم الواجد ، لعدم كونه موضوعا ، فانتفاء الحكم عن الفاقد أجنبي عن المفهوم.
فالنتيجة : أن باب تقييد الاطلاقات أجنبي عن مفهوم الوصف ، وليس دليلا على ثبوت المفهوم للوصف. وقد أشار إلى هذا الجواب بقوله : «فإن من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلّا إن المراد بالمطلق هو المقيد» بمعنى : أن القيد يكون جزء الموضوع ؛ بحيث يصير دليل القيد قرينة على المراد ، وهو كون الموضوع مركبا من الرقبة والإيمان في المثال ، ومن المعلوم : أن انتفاء جزء الموضوع أو قيده يوجب انتفاء شخص الحكم القائم به ، لا السنخ الذي هو قوام المفهوم.
(١) أي : غير المقيد. والضمير في قوله : «كأنه» للشأن.
(٢) القائل هو : صاحب التقريرات ، وحاصل ما في التقريرات : أن حمل المطلق على المقيد لو كان لأجل مفهوم الوصف ، لزم من ذلك عدم صحة الحمل المزبور ، وذلك لأن الدلالة المفهومية ليست بأقوى من الدلالة المنطوقية لو لم نقل بأقوائيتها من الدلالة المفهومية ، وحيث إن مقتضى المنطوق عدم اعتبار الإيمان في الموضوع ، وإجزاء عتق الرقبة الكافرة وجب تقديمه لأظهريته على مفهوم القيد ، فإن تقديم الأظهر على الظاهر مما استقر عليه بناء أبناء المحاورة.
وكيف كان ؛ فإن البناء على ثبوت المفهوم للوصف يقتضي تقديم المطلق على مفهوم المقيد ، والاجتزاء بعتق الكافرة ، ولا أقل من تعارضهما وتساقطهما. فلا وجه حينئذ للحمل المزبور.