أما على الأول : فإنه حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده «تبارك وتعالى» ، لا وجوده.
وأما على الثاني : فلأنها وإن دلت على وجوده تعالى ؛ إلا إنه لا دلالة لها (١) على عدم إمكان إله آخر ـ مندفع (٢) ؛ بأن المراد من الإله هو : واجب الوجود ، ونفي ثبوته ووجوده في الخارج ، وإثبات فرد منه فيه ـ وهو الله ـ يدل بالملازمة البيّنة على امتناع تحققه في ضمن غيره «تبارك وتعالى» ، ضرورة : إنه لو لم يكن ممتنعا لوجد لكونه من أفراد الواجب.
______________________________________________________
وأما على الثاني : فكلمة الإخلاص وإن كانت تدل على وجوده تعالى ؛ لأن معناها حينئذ : لا إله بموجود إلا الله تعالى إلا إنها لا تدل على ما هو المقصود منها وهو نفي إمكان غيره تعالى ، وإثبات امتناع غير الله تعالى لا نفي وجوده فقط.
لأن نفي الوجود لا يستلزم نفي الإمكان ، لأن الوجود أخص من الإمكان العام ، ومن المعلوم : أن نفي الخاص لا يستلزم نفي العام ، مع إن المعتبر في التوحيد هو نفي إمكان إله آخر.
وهذا الإشكال نشأ من جعل لفظ «لا» لنفي الجنس ليحتاج إلى الخبر ، لأنه من النواسخ الداخلة على المبتدأ والخبر.
(١) أي : لا دلالة لكلمة الإخلاص على عدم إمكان إله آخر.
ووجه عدم الدلالة : أن العقد السلبي ـ وهو المستثنى منه ـ يدل على عدم وجود طبيعة الإله ومنها الواجب الوجود «تبارك وتعالى» ، والعقد الإيجابي ـ وهو المستثنى ـ يدل على وجود فرد منها وهو الله تعالى ، وشيء من العقدين لا يدل على امتناع غيره سبحانه ، مع إن امتناع غيره هو المعتبر في التوحيد.
(٢) هذا دفع للإشكال : أي : يندفع الإشكال : بأن المراد من الإله واجب الوجود لذاته ، والخبر المقدّر هو «موجود» ، فتدل كلمة الإخلاص حينئذ على انحصاره في فرد منه وهو الله «تبارك وتعالى» ، فمعنى كلمة الإخلاص : لا واجب وجود بموجود إلا الله ، ومن المعلوم : أن نفي طبيعة واجب الوجود وإثبات فرد منها ـ وهو الله تعالى ـ يدل على عدم إمكان واجب غيره ؛ إذ لو كان ممكنا لوجد قطعا ، ضرورة : أن فرض إمكانه مساوق لوجوده ؛ لكون وجوده واجبا حسب الفرض ، والمفروض : انتفاء وجوبه إلا في فرد واحد ، ولازم ذلك : امتناع غيره ؛ إذ لو لم يكن ممتنعا لوجد حتما في الخارج لكونه من أفراد الواجب الوجود الذي يقتضي ذاته الوجود ، ويستحيل عليه العدم.