وقد أجيب عن الاحتجاج (١) : بأن الباقي أقرب المجازات.
وفيه (٢) : إنه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار ، وإنما المدار على الأقربية بحسب زيادة الأنس الناشئة من كثرة الاستعمال ، وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ «قدسسره» في مقام الجواب عن الاحتجاج (٣) ما هذا لفظه :
والأولى (٤) أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي : بأن دلالة العام على كل فرد من
______________________________________________________
(١) هذا جواب عن الاحتجاج المذكور ـ أعني : تعدد مراتب المجاز ولزوم الإجمال ـ بعد تسليم مجازية العام بالتخصيص.
وحاصل هذا الجواب : أنه لو سلمنا مجازية العام المخصص ، وتعدّد المجاز ولكن لا يلزم الإجمال ؛ لأن الإجمال يلزم فيما إذا لم يتعين أحد المجازات ، وأما إذا كان هناك معيّن لأحدها فلا يلزم الإجمال أصلا.
والمفروض في المقام : وجود ما يعيّن وهو تمام الباقي ؛ لأنه أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي بعد تعذر حمل اللفظ عليه ، فإذا فرضنا عدد العلماء ـ في مثل : «أكرم العلماء» ـ مائة ، وخصص بالنحويين الذين كان عددهم عشرة ، فالباقي ـ وهو تسعون ـ أقرب إلى المعنى الحقيقي من خصوص الفقهاء الذين عددهم أيضا عشرة مثلا.
وهذه الأقربية توجب تعيّن الباقي ، فلا إجمال في البين حتى يكون مانعا عن التمسك بالعام.
(٢) أي : ما في هذا الجواب من الإشكال : أن الأقربية الكمية لا تجدي في ظهور العام في تمام الباقي ، وإنما الموجب للظهور هي الأقربية الأنسية الناشئة من كثرة الاستعمال ، فالأقربية المرجحة لبعض المجازات هي الأقربية الأنسية الناشئة في أذهان المخاطبين من كثرة استعمال لفظ العام في ذلك البعض ، فلا عبرة بالأقربية الكمية الناشئة من كثرة الأفراد بدون استعمال اللفظ فيها ، فإن هذه الأقربية لا توجب تعيّن تمام الباقي ، بحيث يصير العام ظاهرا فيه.
فالمتحصل : أن ما هو المعلوم من الأقربية الكمية لا يجدي في ظهور العام في تمام الباقي ، وما هو المجدي في تعيين بعض المجازات من الأقربية الأنسية غير معلوم ، فتصل النوبة إلى أصالة عدم كثرة الاستعمال عند الشك في كثرة الاستعمال في الباقي وعدمها ، فتبقى حجة النافي بحالها.
(٣) أي : عن احتجاج النافي للحجية بالإجمال الناشئ عن تعدد المجازات.
(٤) يعني : أجاب صاحب التقريرات (١) بعد أن ردّ بما ذكره بقوله : «وأجيب» ـ بما
__________________
(١) مطارح الأنظار ، ج ٢ ، ص ١٣٢.