وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه إلا الإتيان بالمنذور بأيّ داع كان.
فإنه يقال (١) : عباديتهما إنما تكون لأجل كشف (٢) دليل صحّتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ، ملازم لتعلق النذر بهما.
هذا (٣) لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل (٤) ، وإلا (٥) أمكن أن يقال : بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما ، بعد تعلّق النذر بإتيانهما عباديا ، ومتقرّبا بهما منه تعالى ، فإنه (٦) وإن لم
______________________________________________________
الرجحان الآتي من قبل النذر غير كاف في العبادية ؛ إذ لا شبهة في لزوم الإتيان بهذا الصوم والإحرام بعد النذر بقصد القربة.
ومن المعلوم : أن قصد القربة يلازم العبادة ، ولا عبادية لهما ؛ إذ قبل تعلق النذر لم يكونا عبادة ، وبعد تعلق النذر لم يدل دليل على وجوب قصد القربة ؛ لأن الدليل منحصر في «أوفوا بالنذور» ، وهو لا يدل على لزوم قصد القربة ، «ضرورة : كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه الإتيان بالمنذور» فقط «بأيّ داع كان». هذا بخلاف ما لو ثبت رجحانهما قبل تعلق النذر كما هو مقتضى الوجه الأول.
قوله : «ضرورة» تعليل لقوله : «لا يجدي» يعني : أن وجوب الوفاء الناشئ عن الرجحان الآتي من قبل النذر توصلي ، فلا يجدي في عبادية الصوم والإحرام المنذورين إذ لا منشأ لها كما عرفت.
(١) هذا دفع للإشكال عن الوجه الثاني ، وحاصل الدفع : أن العبادية لم تنشأ من الرجحان الآتي من قبل النذر ، بل نشأت من انطباق عنوان راجح على الصوم والإحرام ملازم لتعلق النذر ، بحيث لا يتحقق ذلك العنوان إلا حين النذر ، فعباديتهما ناشئة عن ذلك العنوان ، لا عن النذر حتى يرد عليه بعدم كفاية الرجحان الناشئ عن النذر.
(٢) هذا الكشف إنما يكون بدلالة الاقتضاء.
(٣) إشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه التي أجاب بها المصنف عن التأييد المزبور ، وقد تقدم توضيح هذا الوجه فلا حاجة إلى التكرار رعاية للاختصار.
(٤) أي : الدليل الدال على صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بالنذر.
(٥) يعني : ولو قلنا بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، قبل تعلق النذر به بالدليل الدّال على صحة نذرهما والاكتفاء برجحانهما الناشئ من قبل النذر.
(٦) أي : الناذر وهذا إشارة إلى إشكال بتقريب : أن القدرة على إيجاد المنذور شرط في صحة النذر قطعا وهذا الوجه الثالث ـ وهو الاكتفاء بالرجحان الناشئ من قبل النذر في صحة النذر ـ يستلزم عدم القدرة على المنذور ، وذلك لأنه قبل النذر لا رجحان ولا