لصيرورتهما (١) راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك (٢) ، كما ربما يدل عليه ما في الخبر ، من كون الإحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت.
لا يقال (٣) : لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما ، ضرورة : كون
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فخلاصة الكلام في دفع التوهم المزبور هو : أن مجرد وجود المقتضي ـ على فرض وجوده ـ لا يكفي في تشريع الحكم ؛ بل لا بد من عدم المانع أيضا ، فاقتران رجحان الصوم ذاتا في السفر ، وكذا الإحرام قبل الميقات بوجود المانع يمنع عن تشريع الاستحباب قبل النذر بهما ، فبالنذر يرتفع المانع ويؤثر المقتضي في التشريع بلا مانع بعد ارتفاع هذا المانع مقارنا لوجود النذر ؛ لئلا يلزم تعلق النذر بالمرجوح ، مع إنه لا بد من تعلقه بالراجح ، ولذا قال المصنف : ـ على ما في أكثر النسخ ـ «مع النذر» ، ولم يقل «بالنذر».
(١) أي : صيرورة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات راجحين قبل تعلق النذر بهما ، وقد تقدم توضيح هذا الوجه الثاني من وجوه الجواب عن التأييد المذكور ، فلا حاجة إلى التكرار.
(٢) أي : راجحين ، كما يدل على هذا الوجه الثاني : «ما في الخبر من كون الإحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت» في عدم الرجحان ، فكما لا رجحان في الصلاة قبل الوقت ، فكذلك في الإحرام قبل الميقات ، فهذا الخبر يدل على عدم الرجحان في الإحرام قبل الميقات ؛ بل الرجحان يحدث للمتعلق حين تعلق النذر بهما ، وإنما عبّر المصنف بقوله : «كما ربما يدل» دون «كما يدل» ؛ لأجل احتمال وجود الرجحان في ذات الصلاة قبل الوقت ، غاية الأمر : أن هناك مانعا عن الجعل يرتفع ذلك المانع بدخول الوقت ، فيرجع إلى الوجه الأول وهو ما ذكره بقوله : «فإنما هو لدليل خاص».
ومن هنا يظهر الفرق بين الوجهين ، وحاصله : أن الرجحان على الوجه الأول : يكون باقتضاء الإحرام قبل الميقات ، والصوم في السفر ، وعدم الجعل فعلا على طبق الرجحان الذاتي إنما يكون لمانع يرتفع بالنذر. وعلى الوجه الثاني : لا يكون الرجحان في ذاتهما أصلا ؛ بل يحدث الرجحان بطروّ عنوان راجح ملازم لوجود النذر المتعلق بهما ، فيفترق الوجهان في كون الرجحان في ذاتيهما على الأول ، وفي الخارج عن ذاتيهما على الثاني ، كما أنهما يشتركان في تلازم الرجحان الفعلي مع النذر.
(٣) هذا إشكال على الوجه الثاني الذي تعرّض له بقوله : «وإما لصيرورتهما راجحين».
وحاصل الإشكال : أن الرجحان الناشئ من قبل النذر لا يجدي في عبادية الصوم والإحرام اللذين هما من العبادات قطعا ؛ إذ الأمر بالوفاء بالنذر توصلي لا تعبدي ، فلا يندفع إشكال عبادية الصوم في السفر ، والإحرام قبل الميقات بهذا الوجه الثاني ، لأن