في حقّه «تبارك وتعالى» بالمعنى المستلزم لتغيّر إرادته مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة ، ولا لزوم (١) امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ ، فإن الفعل إن كان مشتملا على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه ، وإلا (٢) امتنع الأمر به ، ...
______________________________________________________
وبالجملة : فالبداء المحال هو تعلق الإرادة الجدّية بفعل ما فيه مصلحة ملزمة لتعلق الوجوب به ، ثم تعلق الإرادة الجدية أيضا بتركه مع وحدة الفعل ذاتا وجهة ، وعدم تغيّر فيه بما يوجب الإرادة.
وكيف كان ؛ فلا يلزم البداء المحال وهو البداء بالمعنى المتبادر منه أي : ظهور الأمر الخفي المستلزم لتغيّر إرادته تعالى ؛ إذ لزوم البداء المحال إنما يلزم إذا لم يكن النسخ بمعنى الدفع ، بخلاف ما إذا كان في الحقيقة دفعا.
وأما لزوم البداء المستلزم للجهل المستحيل في حقه «سبحانه وتعالى» إذا كان النسخ بمعنى الرفع ؛ فلأن الله تعالى لو أمر بصلاة خمسين ركعة في اليوم والليل حسب المصلحة الموجودة في الفعل بلا مفسدة أصلا ، ثم نسخ ذلك قبل العمل ، وجعلها عشر ركعات لكان أحد الأمرين خطأ لا محالة ؛ إما الجعل الأول وإما الجعل الثاني وهو رفع الجعل الأول لكونه مستلزما للجهل.
ثم هذا الكلام بعينه آت فيما لو كان النسخ بعد حضور وقت العمل رفعا لا دفعا ؛ إذ جعل الاستمرار حقيقة ، ثم رفعه يستلزم أحد الخطأين.
وأما النسخ بمعنى الدفع : فلا يلزم منه محذور أصلا ، من دون فرق بين كون النسخ حينئذ قبل حضور وقت العمل أو بعده ، فتحصل إمكان النسخ قبل حضور وقت العمل ، وجواز التخصيص بعد حضور العمل ؛ وذلك لعدم لزوم تأخير البيان القبيح في التخصيص ، ولا لزوم البداء المحال في النسخ ؛ لأن في الإظهار بعد الإخفاء مصلحة ، وذلك لا يستلزم تغيّر إرادته سبحانه ، مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة.
(١) هذا إشارة إلى وجه آخر من الوجوه التي احتج بها على امتناع النسخ.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الحكم تابع للملاك ، إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يلزم على تقدير كون النسخ بمعنى الرفع امتناع النسخ إن كان للحكم ملاك ـ وهو المصلحة ـ لامتناع النهي المشتمل على مصلحة موجبة للأمر ، أو امتناع الحكم المنسوخ إن لم يكن في الفعل مصلحة مقتضية للأمر به.
(٢) أي : وإن لم يكن الفعل مشتملا على مصلحة موجبة للأمر به امتنع الأمر به ؛ لعدم المصلحة الداعية إلى الأمر ، وقد عرفت امتناع الحكم بلا ملاك على ما مذهب العدلية.