يبني على خروج الخاص عن حكم العام رأسا (١) ، وعلى النسخ (٢) على ارتفاع حكمه عنه من حينه ، فيما دار الأمر بينهما في المخصص ، وأما إذا دار بينهما في الخاص والعام ؛ فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا ، وعلى النسخ كان
______________________________________________________
(١) فيقال في مثل : «أكرم العلماء ولا تكرم العلماء البصريين» إن العلماء البصريين محكومون بحكم الخاص ، وهو حرمة الإكرام من زمان ورود العام قبل ورود الخاص ، وإنهم لم يكونوا محكومين بحكم العام ـ وهو وجوب الإكرام ـ في زمان أصلا.
(٢) أي : ناسخية الخاص كالخاص المزبور للعام أعني : قوله : «أكرم العلماء» فيقال : إن أفراد الخاص كالعلماء البصريين في المثال كانوا محكومين بحكم العام وهو وجوب الإكرام ، ثم تغيّر الحكم وصاروا من زمان صدور الخاص محكومين بحرمة الإكرام ، بخلاف التخصيص ؛ لأنه يقتضي أن يكون حكمهم من أول الأمر حرمة الإكرام ، فتظهر الثمرة بين زمان صدور العام المتقدم بالفرض على الخاص ، وبين زمان صدور الخاص ، فعلى مخصصية الخاص : يكون أفراد الخاص دائما محكومين بحرمة الإكرام. وعلى ناسخيته : يكون أفراد الخاص قبل وروده محكومين بحكم العام ، وبعد وروده محكومين بضدّه وهو الحرمة.
قوله : «على ارتفاع حكمه عنه» أي : يبني على ارتفاع حكم الخاص عن حكم العام من حين ورود الخاص ، «فيما دار الأمر بينهما في المخصص» أي : فيما دار الأمر بين النسخ والتخصيص في المخصص فقط ، كما إذا ورد الخاص بعد العمل بالعام. «وأما إذا دار بينهما» أي : بين النسخ والتخصيص في الخاص والعام كما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، فإن الأمر حينئذ يدور بين مخصّصية الخاص للعام ، وبين ناسخية العام له.
فعلى التخصيص لا يكون الخاص محكوما بحكم العام أصلا ، فالعلماء البصريون ـ في المثال المزبور ـ ليسوا محكومين بحكم العام وهو وجوب الإكرام أصلا.
وعلى النسخ يحرم إكرامهم إلى زمان صدور العام ، وبعد صدوره تنقلب الحرمة إلى الوجوب ؛ لكون العام ناسخا له ، «وعلى النسخ كان محكوما به» أي : بحكم العام «من حين صدور دليله» : أي دليل العام ، فإن كل حكم منسوخ يستمر إلى زمان ورود الناسخ ، وبعد وروده ينقلب الحكم ، فالخاص يستمر حكمه إلى زمان ورود العام ، وبعد وروده ينقلب حكمه إلى حكم العام. ففرق واضح بين مخصّصية الخاص للعام وبين ناسخية العام له ، فعلى الأول : لا يكون الخاص محكوما بحكم العام أصلا ، وعلى الثاني : يصير محكوما بحكمه بعد ورود العام ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٦٧٥».