فيه ، أو كونه متيقنا منه ، ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه ، حسب اختلاف مراتب الانصراف كما إنه منها (١) ما لا يوجب ذا ولا ذاك ؛ بل يكون بدويا زائلا بالتأمل ، كما أنه منها (٢) ما يوجب الاشتراك أو النقل.
______________________________________________________
الرابع : الانصراف الناشئ عن بلوغ غلبة الاستعمال في فرد خاص أو صنف خاص حدّ المجاز المشهور عند تعارضه مع الحقيقة المرجوحة ، ولهذا إذا ذكر هذا اللفظ مطلقا وبلا قرينة وجب التوقف في المجاز ، ويحكم بالتقييد في المقام ؛ لما مر من فقدان شرط الإطلاق ، ومثال ذلك : كصيغة الأمر على القول بكونها حقيقة في الوجوب ، ولكن استعمالها في الندب مجازا مشهورا ؛ بحيث ساوى احتماله لاحتمال الحقيقة ، أو يرجح عليه على اختلاف بين الأعلام.
الخامس : الانصراف الناشئ عن بلوغ شيوع المطلق وغلبة استعماله في المنصرف إليه حد اشتراك لفظه بين المعنى الحقيقي الإطلاقي ، وبين المعنى المنصرف إليه ، قيل : بأنه لا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة المعيّنة ، فهذا الانصراف يمنع أيضا عن الأخذ بالإطلاق ، كما إذا فرض : أن «الصعيد» وضع لمطلق وجه الأرض ، ثم استعمل كثيرا في خصوص التراب الخالص بحيث صار مشتركا بينهما ، فإذا قال المولى : «تيمم بالصعيد» لا يحمل على المطلق إلا بالقرينة ؛ لكن فيه أنه يحمل على المنصرف إليه ـ وهو التراب الخالص ـ لأن كثرة الاستعمال قرينة أو صالحة للقرينية على الحمل على المعنى المنصرف إليه ؛ كما تقدم من توقف الإطلاق على عدم ما يصلح للقرينية ؛ فلا يجوز التمسك بالإطلاق.
السادس : الانصراف الناشئ عن بلوغ كثرة الاستعمال حدّ النقل ومهجورية المعنى المطلق ، ومثال ذلك : لفظ الفعل فإنه وضع لغة للمعنى المصدري أعني : مطلق الحدث الصادر عن فاعل ، ثم نقل في عرف النحاة إلى نوع خاص من الكلمة التي تدل على معنى في نفسها ، مع اقتران معناها بأحد الأزمنة.
ويحمل اللفظ على المنصرف إليه ، فيكون مانعا عن الإطلاق.
فالمتحصل : أن الانصراف بجميع أقسامه مانع عن الإطلاق إلا القسمين الأولين ؛ لأن بعضها يقيّد المطلق ، وبعضها مما يوجب التعيين ، أو القدر المتيقن ، أو الإجمال ، فيسقط المطلق عن الإطلاق.
(١) أي : من مراتب الانصراف ما لا يوجب الظهور ، ولا كونه متيقّنا من المطلق ؛ كالقسم الأول والثاني.
(٢) أي : ومن مراتب الانصراف ما يوجب الاشتراك أو النقل كالقسم الخامس والسادس.