لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد ، أو الأصناف لظهوره
______________________________________________________
إذا قيل : «جئني بماء» ، وهذا الانصراف لا يقيد المطلق ولا يكون مانعا عن الإطلاق ؛ للقطع بعدم كون المنصرف إليه مرادا قبل التأمل وبعده ، ولا يزول بالتأمل.
الثاني : الانصراف البدوي ، الموجب للشك في إرادة المنصرف إليه ، الزائل بالتأمل ؛ مثل : انصراف لفظ «رجل» في نحو : «جئني برجل» إلى رجل ذي رأس واحد ، فهو لا يشمل رجلا ذا رأسين ، فيكون موجبا للشك في إرادة المنصرف إليه ، ثم يزول الشك بالتأمل.
ومنشأ هذا الانصراف البدوي : غلبة استعمال المطلق في المنصرف إليه ، الموجبة لأنس الذهن به ، وهذا الانصراف أيضا لا يقيد المطلق ، فلا يكون مانعا عن الإطلاق.
والفرق بينهما : أن هذا القسم يوجب الشك البدوي في إرادة المنصرف إليه من المطلق ويزول بالتأمل ، بخلاف سابقه فإنه لا يوجب الشك البدوي في إرادته منه ، ولا يزول بالتأمل ، فهما مشتركان في عدم تقييد المطلق ، ومفترقان في استقرار الأول وزوال الثاني.
الثالث : الانصراف الناشئ عن التشكيك في الماهية في متفاهم العرف وهو على نحوين :
الأول : أن يكون التشكيك بمثابة يحكم العرف بخروج الفرد المنصرف عنه عن مصاديق المطلق ، كانصراف لفظ «ما لا يؤكل لحمه» عن الإنسان ، وعدم شموله له بنظرهم ، وصيرورة لفظ «ما يؤكل» ظاهرا في غير الإنسان ، ولذا جوّز الفقهاء الصلاة في شعره وظفره وبصاقه. ولا إشكال في كون هذا الانصراف مقيدا للإطلاق بغير المنصرف عنه ، لكون المطلق مع هذا التشكيك كاللفظ المحفوف بالقرينة اللفظية المتصلة في المنع عن انعقاد الظهور للمطلق في الإطلاق ، وموجب لظهوره في المنصرف إليه.
الثاني : أن يكون التشكيك بمثابة يشك العرف في خروج الفرد المنصرف عنه عن مصاديق المطلق ؛ كانصراف لفظ «الماء» عن ماء الزاج والنفط ، وهذا الانصراف وإن لم يكن موجبا لظهور اللفظ في المنصرف إليه ، ـ كما في الفرض السابق ـ إلّا إنه من قبيل اللفظ المحفوف بما يصلح للقرينية ، ومعه لا يكون اللفظ ظاهرا في الإطلاق ، لفقدان شرط الإطلاق وهو عدم احتفاف الكلام بالقرينة ، وبالصالح للقرينية ، فالانصراف في هذين الفرضين مانع عن التمسك بالإطلاق.
غاية الأمر : أن المطلق في الفرض الأول : ظاهر في المنصرف إليه ، وفي الثاني : مجمل ، فيؤخذ بالمنصرف إليه من باب القدر المتيقّن ؛ لا من باب الظهور اللفظي ، كما في سابقه.