وأنت (١) خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق. لما عرفت من إن الظفر
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فقد أورد المصنف على من أورد على الإيراد الوارد على جمع المشهور بوجهين ؛ وهما ما أشار إليه بقوله : «وأنت خبير» ، وما أشار إليه بقوله : «مع إن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب».
(١) ردّ المصنف جواب من أجاب عن الإشكال الوارد على قول المشهور بوجهين :
أحدهما : أن ما ذكره في دفع الإشكال على المشهور من أن التصرف بحمل أمر المقيد على الاستحباب تصرف في نفس المعنى ، بخلاف التقييد حيث ليس التصرف فيه في نفس المعنى ؛ بل في وجه من وجوه المعنى ، فليس التقييد على خلاف الظاهر «مخدوش» ؛ بأن التقييد أيضا خلاف الظاهر لأن الظاهر كون المطلق في مقام بيان الحكم الظاهري قاعدة وقانونا ، نظير كلام المجري لقانون الدولة مثل أن يقال : «على كل من بلغ عمره عشرين عاما أن يحضر خدمة النظام» ، فهذا البيان للحكم الظاهري قاعدة وضربا للقانون ، فالمطلق ظاهر في الإطلاق ، والتقييد على خلاف الظاهر أيضا. أي : كما أن حمل أمر المقيد على الاستحباب على خلاف الظاهر. فالجواب عن الإيراد على المشهور ليس بتام.
وثانيهما : وهذا الوجه ناظر إلى ما أفاده المورد من : أن حمل أمر المقيد تصرّف في معنى الأمر ، فيلزم المجاز.
وحاصل هذا الوجه : إنكار مجازية حمل أمر المقيد على الاستحباب ؛ وذلك ، لأن ملاك الوجوب في المقيد كالرقبة المؤمنة التي هي من أفراد المطلق ـ أعني الرقبة ـ يمنع عن اتصافه بالاستحباب ؛ لاندكاك ملاكه في ملاك الوجوب. فالمراد بالاستحباب حينئذ : أفضلية المقيد من سائر أفراد الواجب ، دون الاستحباب المصطلح ، كما هو الحال في استحباب الجماعة في الصلوات الواجبة ، فإن صلاة الجماعة واجبة واستحبابها بمعنى أفضليتها من الفرادى.
وعليه : فلا مجال لترجيح التقييد على حمل الأمر في المقيد على الاستحباب ، بدعوى : استلزام الثاني للمجاز دون الأول ، فلا مرجّح للتقييد على صاحبه ؛ لدوران الأمر بين هذين التصرفين من دون استلزام شيء منهما للمجاز.
وكيف كان ؛ فحمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوّزا فيه أي : في الأمر ، فإن الأمر مستعمل في الوجوب ، والمقيد لا يكون مستحبا اصطلاحيا في مقابل الوجوب ؛ بل بمعنى أفضل أفراد الواجب ، فلا يلزم اجتماع الضدين في محل واحد ؛ بل يلزم اجتماع الوجوب والأفضلية في المقيد ، نظير أفضلية صلاة الجماعة ، فيكون المقيد من أفراد المطلق.