(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (١) و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) (٢) مما أضيف التحريم والتحليل إلى الأعيان (٣) ، ومثل «لا صلاة إلا بطهور» (٤) ولا يذهب عليك (٥) : إن
______________________________________________________
وأخرى : على ما ينتهي إلى المرفق ، وثالثة : على العضو بكماله وتمامه ، ولا قرينة في الآية على المراد.
واحتج القائل بالإجمال : باعتبار القطع بأنه قد يطلق على الإبانة وقطع الاتصال.
وقد يطلق على القطع في الجملة ؛ كما إذا قطع عضوا وصار معلقا بالجلد ، وقد يطلق على الجرح كما يقال لمن جرح يده بالسكين : أنه قطع يده ، كما جاء في سورة يوسف «عليهالسلام» : ٣١ (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) يعني : جرحن أيديهن. والآية الشريفة ليست ظاهرة في شيء من هذه المعاني ، فتعدّ من المجملات.
وأما القائل بعدم إجمال الآية أصلا لا باعتبار اليد ولا باعتبار القطع : فيقول : إن المتبادر من لفظ اليد عند الإطلاق : هو جملة العضو إلى المنكب ، فيكون حقيقة فيه ، فلا إجمال ، ويتبادر أيضا من لفظ القطع : إبانة الشيء عما كان متصلا به وهو ظاهر فيه ، فلا إجمال أصلا.
(١) النساء : ٢٣.
(٢) المائدة : ١.
(٣) فإن الأحكام لا تتعلق بالأعيان الخارجية ؛ بل تتعلق بالأفعال الصادرة من المكلفين فلا بد من تقدير الفعل. ثم الفعل المتعلق بالأم مجمل كالنظر واللمس والتقبيل ، وكذا الفعل المتعلق ببهيمة الأنعام مجمل ؛ كالبيع والأكل والنقل من مكان إلى آخر ، ولكن عدّ هذا من المجملات مجرد فرض ؛ لأن المراد هو : تحريم الفعل المقصود من ذلك ؛ كالوطء في الموطوء ، والأكل في المأكول ، والشرب في المشروب ، وهذا ما تقتضيه مناسبة الحكم للموضوع ، فينعقد للكلام ظهور عرفي فلا إجمال فيه ؛ بل هو متضح الدلالة.
(٤) وإجمال هذا التركيب مبنيّ على القول بوضع ألفاظ العبادات للأعم ؛ لأنه حينئذ يدور الأمر بين الصحة والكمال ، ولا قرينة في الكلام لأحدهما ، فلا محالة يصير مجملا. وأما على القول بوضعها للصحيح : فلا إجمال ؛ لأن الظاهر حينئذ نفي حقيقة الصلاة إذ فاقد الطهور ليس بصلاة حقيقة.
(٥) أي : لا يخفى عليك : أن الإجمال راجع إلى عدم ظهور للكلام ، والبيان إلى ظهور له ، ولا ريب : أن الظهور وعدمه من الأمور الوجدانية التي لا يرجع فيها إلا إلى الوجدان ، نظير الجوع والعطش والشبع ، فلا حاجة في إثبات الإجمال والبيان إلى إقامة البرهان ، وتجشّم الاستدلال.