ومن هنا (١) انقدح : أنّه ليس منه (٢) ترك الوضوء من الإناءين ، فإنّ حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيا ، ولا تشريع (٣) فيما لو توضأ منهما احتياطا ، فلا حرمة في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك ؛ بل إراقتهما كما في النص ليس إلّا من باب التعبّد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم
______________________________________________________
(١) أي : مما ذكرنا ـ من أنه إذا كانت الحرمة تشريعية فهو خارج عن محل الكلام ـ اتضح حال المورد الثاني ـ وهو عدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين ـ وظهر خروجه من محل الكلام ، لأنّ الوضوء بالماء المتنجس ليس حراما ذاتيا كالغصب حتى يدور حكم الوضوء بين الوجوب والحرمة ؛ بل حرمته تشريعية.
(٢) أي : إنه ليس من دوران الأمر بين الوجوب والحرمة «ترك الوضوء من الإناءين» ، وقد بيّن وجه الانقداح بقوله : «فإنّ حرمة الوضوء ...» إلخ.
(٣) أي : لأنّ الاحتياط ضدّ للتشريع ، ومع الاحتياط ليس هناك حرمة ذاتية حتى يقدّم جانبها على الوجوب ، «فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك» أي : ولو بقصد الاحتياط ؛ «بل إراقتهما كما في النص» أي : إراقة الإناءين والتيمّم للصلاة إنما هو للنّص وهو خبر عمار عن الصادق «عليهالسلام» : «سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيرهما ، قال «عليهالسلام» : «يهريقهما جميعا ويتيمّم» (١).
قوله : «ليس إلّا من باب التعبد» خبر لقوله : «فعدم جواز الوضوء».
وغرض المصنف من هذا : هو تطبيق عدم جواز الوضوء من الإناءين على القاعدة ، وعدم كونه تعبّدا محضا وبيان ذلك : أنّ الوضوء بهما يوجب نجاسة البدن واقعا وبقائها ظاهرا بحكم الاستصحاب ، وإنّما قال : «ظاهرا» ؛ لأن الماء الأول لو كان نجسا واقعا لم يكن في الواقع بدنه نجسا ، وإنما يكون نجسا ظاهرا بحكم الاستصحاب ؛ وذلك للقطع بحصول النجاسة حين ملاقاة المتوضئ من الإناء الثاني ؛ لأنّه يعلم حينئذ بنجاسة أعضائه إمّا بملاقاتها للماء الأول ، وإمّا بملاقاتها للماء الثاني ، وبعد ما يعتبر في التطهير من انفصال الغسالة والتعدد يشك في بقاء النجاسة ، ومقتضى الاستصحاب : بقاؤها ، ومن المعلوم : مانعيّة النجاسة المستصحبة للصلاة مثلا كالمعلومة ، فلعلّ الأمر بالتيمّم في النّص يكون لأجل الابتلاء بهذه النجاسة الخبثية ، فالأمر بالتيمّم يكون على طبق القاعدة ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٢٦» مع توضيح منّا.
__________________
(١) الوسائل ، ج ١ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ، ج ٢ و٤. ومثله موثق سماعة. نفس المصدر.