شيء واحد صحيحا بحسب أثرا ونظر ، وفاسدا بحسب آخر ، ومن هنا صحّ أن يقال : إنّ الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ؛ بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية ، وإنّما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار الّتي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها.
وهكذا (١) الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة إنّما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الأثر بعد الاتفاق ظاهرا على أنّها بمعنى التمامية كما هي معناها لغة وعرفا ، فلمّا كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو
______________________________________________________
بحسب أثر ـ وهو موافقة الأمر والشريعة ـ وفاسد بحسب أثر آخر ـ وهو سقوط القضاء والإعادة ـ وكذا يكون صحيحا بالنظر إلى أمره وهو الأمر الثانوي أو الظاهري ، وفاسدا بالنظر إلى أمر آخر وهو الأمر الواقعي الأوّلي ، أو يكون صحيحا بنظر العرف كبيع المنابذة أو النقدين بلا قبض في المجلس وفاسدا بنظر الشرع.
وبالجملة : أن الصحة والفساد من الأمور الإضافية لا الحقيقية الّتي يكون لها بحسب الواقع حدّ معيّن في نفسه لا يتعدّاه ، فربما يكون عمل واحد صحيحا بالنسبة إلى أثر أو نظر أو أمر دون آخر ، مثلا : الصلاة جالسا صحيحة بالنسبة إلى المريض ، وفاسدة بالنسبة إلى السليم ، والصلاة مع الطهارة الاستصحابية صحيحة بعد كشف الخلاف بالنسبة إلى القضاء ، وفاسدة بالنسبة إلى الأداء وصحيحة في نظر القائل بالإجزاء ، وفاسدة في نظر غيره. صحيحة بالنسبة إلى موافقة الأمر الظاهري لا الواقعي.
الأمر الثاني : أن اختلاف المتكلم والفقيه في تعريف الصحة والفساد لا يوجب اختلافهما في المعنى وهو التمامية وعدم التمامية ، فالأوّل عرّف الصحة في العبادات بما يوافق الأمر أو الشريعة. والثاني ، بما يسقط معه القضاء والإعادة ؛ وهذا الاختلاف في تفسيرهما بين الفقيه والمتكلم إنّما هو بحسب الأثر المهم عند كل منهما ، فإنّ المهم في نظر الفقيه هو سقوط القضاء والإعادة في العبادات ، ففسّر صحّتها بذلك. وفي نظر المتكلم هو : موافقة الأمر الموجبة لاستحقاق المثوبة ، ففسّر صحة العبادة بذلك.
والمتحصّل : أنّ مفهوم الصحة والفساد واحد عند الكل ؛ وهو معناهما اللغوي والعرفي أعني : الصحة بمعنى : التمامية ، والفساد بمعنى : عدم التمامية ، والاختلاف في التفسير ناشئ عن الاختلاف فيما هو المهم في نظر كلّ منهما.
(١) هذا إشارة إلى الأمر الثاني من الأمرين اللّذين تقدم ذكرهما تفصيلا.