قال شيخنا الأعظم قدسسره : لم يتوقف أحد في عامّ بمجرد احتمال دليل منفصل يحتمل أن يكون مخصصا له ، بل ربما يعكسون الأمر فيحكمون بنفي ذلك الاحتمال وارتفاع الاجمال لاجل ظهور العام ، ولذا لو قال المولى : أكرم العلماء ، ثم ورد قول آخر من المولى : انه لا تكرم زيدا واشترك زيد بين عالم وجاهل ، فلا يرفع اليد عن العموم بمجرد الاحتمال ، بل يرفعون الإجمال بواسطة العموم ، فيحكمون بإرادة زيد الجاهل من النهى. (١)
ثم إنّ الظهورات الكلامية وإن كانت من الظنون ولكن حجيّتها من الضروريات ؛ إذا الطريق الشائع في تفهيم المقاصد والمرادات منحصر في الألفاظ ، والعقلاء بنوا عليها بلا كلام واحتجوا بها لهم وعليهم ، والشارع لم يخترع طريقا آخر لتفهيم مراداته ، فاعتبار الظنون الكلامية من اليقينيّات والضروريات.
وعليه فظنيّة الظهورات لا تنافي قطعية اعتبارها ، ومع كونها قطعية الاعتبار لا مجال لدعوى كونها مشمولة للآيات الناهية عن العمل بالظن ؛ لانصراف الأدلّة الناهية عن العمل بالظن عن مثلها ، لأن الأخذ بالظنون الكلامية يرجع في الحقيقة إلى الأخذ بالقطع القائم على اعتبارها ، فمثل قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) لا يشمل المقام.
ولقد أفاد وأجاد الشيخ الأعظم قدسسره حيث قال : فرض وجود الدليل على حجيّة الظواهر موجب لعدم ظهور الآيات الناهية في حرمة العمل بالظواهر. (٢)
ومما تقدم يظهر أنّ الاستظهار المعتبر في الالفاظ والكلمات هو الذي يكون ظاهرا بحسب المتفاهم العرفي في مرادات المتكلم ، فإذا كان لفظ ظاهرا عرفا في المعنى المراد ، وادّعى شخص ظهوره في معنى آخر فلا مجال للأخذ بظنه الشخصيّ في تعيين مراد المتكلم ، ولا يكفي الإتيان به في مقام الامتثال : إذا الظن الشخصيّ لا دليل على حجيته ، لما عرفت من أنّ الحجة هو الظهور العرفي ، والظهور العرفي لا يتعدد بتعدد الآحاد والاشخاص ، بل هو قائم بالاستظهار النوعي.
__________________
(١) فرائد الاصول : ٤٥.
(٢) فرائد الاصول : ٤٠.