ولا إشكال فيه ؛ لأنّ النهي الشرعي يكشف عن خطأ العرف في تشخيصه في الموارد المنهية. هذا مضافا إلى أنّ بناءات العرف لا حجيّة لها إلّا بامضاء الشارع أو تقريره ومع النهي لا إمضاء ولا تقرير نعم لزم أن تكون التخطئة صريحة بحيث لا يبقي عذر للعرف كعدم الالتفات.
المقام الخامس :
أنّه هل يجوز للعرف أن يلاحظ الملاكات والمناطات الظنية لكشف الأحكام الشرعيّة حسبما تقتضيه تلك الملاكات أو لا يجوز؟ والظاهر من عبارات أهل السنّة الذين ذهبوا إلى جواز القياس والأخذ بالاستحسان هو الأوّل.
قال ابن عابدين : واعلم أنّ اعتبار العادة والعرف رجع إليه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلا ... إلى أن قال : وفي شرح الاشباه للبيري قال فى المشرع الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي وفي المبسوط الثابت بالعرف كالثابت بالنّص ، (١) انتهى.
وكيف كان فقد استدلّوا لذلك بوجوه :
منها : قوله عزوجل : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)(٢)
وفيه : أنّ الآية الكريمة ليست في مقام بيان حجيّة العرف في آرائه وأحكامه حتى تكون دليلا على حجيّة العرف ، بل المراد من العرف هو المعروف ، والله تعالى أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بالأمر بالمعروف ، وهو مطالبة الناس للإتيان بالمعروف الذي يعرفه عموم العقلاء والشارع من الأفعال الجميلة والأخلاق الحميدة ، كسائر الآيات الدالّة على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، كما يشهد لذلك سياق الآية الكريمة ؛ فإنّه تعالى أمر في صدرها بالعفو عما فعله الجاهلون وأمر في ذيلها بالإعراض عن الجاهلين ، فالمناسب بهم هو الأمر بالمعروف لا بيان حجيّة العرف في تشخيص الأحكام وغيرها ، قال في الكشاف : والعرف المعروف والجميل من الأفعال.
__________________
(١) مجموعة رسائل ابن عابدين : ١٣٢.
(٢) الاعراف / ١٩٩.