لا يقال : أن كلمة لعل لا تدل على أزيد من ابداء الاحتمال ، واما المطلوبية التي استدل بها لوجوب التحذر فلا دلالة لها عليها.
لأنا نقول : هذه الدعوى فاسدة ؛ لدلالة المقام على مطلوبية التحذر ، كيف لا يكون التحذر مطلوبا مع وجوب الانذار بالنسبة الى المتفقهين؟!
هذا ، مضافا الى أن احتمال ترتب العقوبة مع أن المورد مما يجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان مساوق لوجوب التحذر. (١)
الوجه الثالث :
أن التحذر غاية للانذار الواجب ؛ لكونه غاية للنفر الواجب كما تشهد له كلمة «لو لا» التحصيصية. وعليه فاذا وجب الانذار وجب التحذر ؛ اذ الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الآمر بانتفائه سواء كان من الافعال المتعلقة للتكليف أم لا ، كما في قولك توضأ لتصلي ، واسلم لعلك تدخل الجنة ، وقوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى).
أورد عليه في الكفاية بعدم انحصار فائدة الانذار بالتحذر تعبّدا ؛ لعدم اطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ، ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غائية التحذر ، ولعل وجوبه كان مشروطا بما اذا افاد العلم ... الى أن قال : وقضيّته انما هو وجوب الحذر عند احراز أن الانذار بمعالم الدين. (٢)
ويمكن الجواب عنه كما في نهاية الدراية ، بأن التحذر وإن لم يكن له في نفسه اطلاق نظرا الى أن الآية غير مسوقة لبيان غائية الحذر ليستدل باطلاقه بل لا يجاب النفر للتفقه ، إلّا أن اطلاقه يستكشف باطلاق وجوب الانذار ؛ ضرورة أن الانذار واجب مطلقا من كل متفقه سواء افاد العلم للمنذر أم لا ، فلو كانت الفائدة منحصرة في التحذر كان التحذر واجبا مطلقا ، وإلّا لزم اللغوية احيانا.
ودعوى : أن الفائدة غير منحصرة في التحذر ، بل لافشاء الحق وظهوره بكثرة انذار
__________________
(١) تسديد الاصول ٢ : ٩٠.
(٢) الكفاية : ج ٢ ص ٩٣.