عرفا كون الانذار بلحاظ العقاب ايضا ؛ لان ظاهر الآية أن الحذر من نفس الشيء المخوف المنذر به ، وهو يعني أن الانذار فرض في طول العقاب والمنجزية على ما تقدم من أن التحذر تحذر في مورد الانذار لا الاخبار ، وهو لا يكون إلّا مع تنجيز العقاب في المرتبة السابقة ، ومثله لا يكشف عن الحجية ، بل يستحيل أن يكشف عنها ؛ لانه في طول الحجية والتنجز.
وإن كان المراد الحذر من المخالفة للحكم الواقعي بعنوانها فمطلوبية هذا الحذر لا يلزم منها وجوبه ، بل يمكن أن يكون مستحبا ، كما هو مقتضى حسن الاحتياط دائما. (١)
لا يخفى عليك أن التحذر باعتبار العقاب لا باعتبار المخالفة للحكم الواقعي والمصالح والمفاسد ، ولكن منجزية الامارة اعني قول العادل كمنجزية العلم ، فكما أن العلم بالحكم يوجب التنجز بنفس العلم ويكون حجة على الحكم ، فكذلك اخبار العادل بالوجوب أو الحرمة وترتب العقاب يوجب التنجز لغيره بنفس الاخبار وأن كان الحكم منجزا على نفسه قبل اخباره للعلم به سابقا ، ولا منافاة بين أن يكون الحكم منجزا على المخبر قبل اخباره ولا يكون منجزا على السامع قبل اخباره ويصير منجزا عليه بنفس الاخبار.
وعليه فحيث أن المنجزية تحصل بنفس الاخبار يكشف ذلك عن كون اخبار العادل حجة على السامع ، وبالاخبار يحصل التنجز والانذار معا ، والمستحيل هو تنجز الحكم بنفس الانذار بالنسبة الى المخبر لا السامع ، كما لا يخفى.
ودعوى : أن غاية ما يلزم من الآية لو سلم دلالتها وجوب التحذر في مورد الخبر الدال على الالزام ، وهذا غير الحجية المطلوبة ، وانما هو وجوب الاحتياط ولكن في خصوص الشبهة التي قام فيها خبر على الالزام ؛ لانها تأمر بالتحذر. (٢)
مندفعة : بأن التحذر هو التحفظ والتجنب العملي عن مخالفة ما اخبر به العادل ، وليس معناه هو الاحتياط ، ومن المعلوم أن التحذر بذلك المعنى يساوق حجية خبر العادل.
__________________
(١) مباحث الحجج : ج ١ ص ٣٧٧ و ٣٧٨.
(٢) مباحث الحجج : ج ١ ص ٣٧٧.