الخلاصة
الاستدلال بالسيرة
ربما يستدل للبراءة بسيرة المسلمين على عدم الالتزام والإلزام بترك ما يحتمل ورود المنهي عنه من الشارع بعد الفحص وعدم الوجدان وذلك لأنّ طريقة الشارع بيان المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلّا لعدم احتياج الرخصة في جواز ارتكاب الفعل إلى البيان بل يكفي فيه عدم وجدان النهي عنه.
ولذا نرى انّ أهل الشرائع كافة لا يخطئون من بادر إلى تناول شيء من المشتبهات سواء علم الإذن فيها من الشرع أم لم يعلم ولو كان تناولها محظورا لأسرعوا إلى تخطئة كما لا يخفى.
وقد أورد عليه بأنّ الغرض من عدم التخطئة إن كان بيان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحريم فهو حسن مع عدم بلوغ وجوب الاحتياط عليه من الشارع لكنه راجع إلى الاستدلال بالدليل العقلى ولا ينبغي الاستشهاد له بخصوص أهل الشرائع اذ بناء كافة العقلاء على قبح ذلك وإن لم يكونوا من أهل الشرائع.
وإن كان الغرض منه بناء العقلاء على تجويز الارتكاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل فهو مبني على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل ويمكن الجواب عنه بأنّ غرض المستدلّين ليس بيان قبح مؤاخذة الجاهل بالحكم حتى يرجع إلى الدليل العقلي ولا يختصّ بأهل الشرائع وذلك لعدم تقييدهم عمل المتشرعة بما إذا اتفقوا إلى القاعدة العقلية.
ومجرّد توافق السيرة مع القاعدة لا يلازم التفاتهم إليها ولا يوجب اتّحاد الدليلين أيضا وعليه فالاستدلال بالسيرة مع قطع النظر عن القاعدة العقلية ولا وجه لإرجاعها إليه هذا مضافا إلى أنّ إرادة بناء العقلاء من عدم التخطئة لا تكون مبنية على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل لأنّ بناء العقلاء مع عدم الردع عنها يكشف عن عدم وجوب الاحتياط في مثل المقام ومع عدم وجوب الاحتياط في مثل المقام لا يحتمل الضرر الأخروي فإرادة بناء العقلاء من عدم التخطئة لا تبتني على إنكار الكبرى بل هي كاشفة عن عدم وجود الصغرى في المقام ولا بأس به كما لا يخفى.