وعليه فاللازم حينئذ هو التبعيض في الاحتياط وهو إما بأن يختار الاحتياط في جميع الشبهات العرضية إلى أن ينتهي الأمر إلى اختلال النظام فيترك الاحتياط رأسا في مورد الأمارات وجميع الشبهات لا يقال : إن تحديد الاحتياط بصورة لزوم الاختلال عسر لأنا نقول : إنما يقدح ذلك في وجوب الاحتياط لا في حسنه ورجحانه وكيف كان التبعيض في الاحتياط اما بذلك واما التبعيض من أول الأمر. بحسب الاحتمالات أو المحتملات كما أشار إليه الشيخ الأعظم حيث قال الشيخ قدسسره : فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات فيحتاط في المظنونات إلى أن قال ويحتمل التبعيض بحسب المحتملات فالحرام المحتمل إذا كان من الأمور المهمة في نظر الشارع كالدماء والفروج بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلى حقوق الله تعالى ويدل على هذا جميع ما ورد من التأكيد في أمر النكاح وإنه شديد وإنه يكون منه الولد. (١)
وقال صاحب الكفاية أيضا إن الاحتياط الموجب لذلك أي اختلال النظام لا يكون حسنا كذلك وإن كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا فافهم. (٢)
ولعل قوله فافهم إشارة إلى أن التبعيض لا ينحصر في ذلك بل يمكن بما مر من جواز اختبار الاحتياط في جميع الشبهات العرضية إلى أن ينتهي الأمر إلى اختلال النظام فيترك الاحتياط رأسا في مورد الأمارات وجميع الشبهات ثم إن المستفاد من حسن الاحتياط في الشبهات بل في الأمارات لوجود الملاكات الواقعية ان الآثار الوضعية لتلك الملاكات لا تزول بأصالة الإباحة أو البراءة أو حجية الأمارات بل هي على ما هي عليه نعم ينتفي آثار الأحكام التكليفية من العقوبة والمؤاخذة فلا تغفل.
التنبيه السادس :
انّ جريان البراءة مشروط بأن يكون رفع الشيء في عالم التشريع بيد الشارع وعليه فلا مجال للبراءة فيما لا يكون وضعه ورفعه بيد الشارع.
__________________
(١) فرائد الاصول : ٢٢٥.
(٢) الكفاية ٢ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.