الوجه الثاني :
أنّه يظهر من بعض الكلمات أنّ أدلة حجيّة خبر الواحد تدلّ على حجيّة الشهرة المصطلحة الظنية بمفهوم الموافقة ؛ لأنّه ربّما يحصل منها الظن الأقوى من الحاصل من خبر العادل.
ويمكن الجواب عنه ـ كما أشار إليه شيخنا الأعظم قدسسره ـ بأنّ هذا خيال ضعيف تخيّله بعض في رسائله ، ووقع نظيره من الشهيد الثاني في المسالك حيث وجّه حجيّة الشياع الظني بكون الظن الحاصل منه أقوى من الحاصل من شهادة العدلين.
ووجه الضعف : أنّ الأولوية الظنية أوهن بمراتب من الشهرة ، فكيف يتمسك بها في حجيّتها؟! مع أنّ الأولوية ممنوعة رأسا للظن بل العلم بأنّ المناط والعلة في حجيّة الأصل (خبر الواحد) ليس مجرد إفادة الظن ؛
وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية في كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة ، مع أنّه ما كان استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظى الدال على حكم الأصل مثل قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ)(١)
مقصوده قدسسره من قوله (بل العلم بأنّ المناط والعلة في حجيّة خبر الواحد ليس مجرد إفادة الظن) : أنّ المناط لو كان هو ذلك لزم حجيّة رأي فقيه لفقيه آخر فيما إذا حصل له منه الظن ، مع أنّه ليس بحجيّة قطعا ، فيعلم منه أنّ مجرد إفادة الظن ليس هو المناط.
ولعل ملاك حجيّة الخبر ـ كما أفاد السيد المحقق الخوئي قدسسره ـ هو كونه غالب الإصابة باعتبار كونه إخبارا عن حسّ ، واحتمال الخطأ في الحسّ بعيد ، بخلاف الإخبار عن حدس كما في الفتوى ؛ فإنّ احتمال الخطأ في الحدس غير بعيد ، ويحتمل أيضا دخل خصوصية اخرى في ملاك حجيّة الخبر ، ومجرد احتمال ذلك كاف في منع الأولوية المذكورة ؛ لأنّ الحكم بالاولوية يحتاج إلى القطع بالملاك وكل ما له دخل فيه. (٢)
__________________
(١) فرائد الاصول : ٦٥.
(٢) مصباح الاصول ٢ : ١٤٤ ـ ١٤٥.