كل فرد ومعه فدعوى ظهوره في خصوص صرف الوجود مع أنها محتاجة إلى مئونة زائدة كما ترى ولو شك في كون النهي بنحو صرف الوجود أو ذات الطبيعة لكان الشك في التكليف الزائد فيجري فيه البراءة أيضا فتدبر جيدا.
التنبيه الخامس :
أنه قد عرفت في التنبيه الثاني إن ملاك رجحان الاحتياط في الشبهات البدوية هو إدراك الواقع لأن ما في الواقع تكاليف فعلية للمولى ولها ملاكات واقعية وإن كان الجهل بلزومها عذرا في مخالفتها والمفروض أن الأحكام الشرعية ثابتة في الواقع وجعل العذر لا يكون بمعنى رفع أصلها في الواقع بحيث لا يكون للجاهل حكم في الواقع بل بمعنى رفع الثقل من ناحية تلك التكاليف الواقعية مع فرض ثبوتها وهذا الملاك بعينه موجود في موارد الأمارات والحجج أيضا بعد ممنوعية التصويب لأن الواقع يكون على حاله ولو مع قيام الأمارة على خلافه ومقتضاه هو رجحان الاحتياط لأنه يوجب إدراك الواقع وهو حسن بعد كون الواقع تكاليف فعلية للمولى ولها ملاكات واقعية والمفروض أن الأمارة لا تنفي احتمال الخلاف ومع ثبوت احتمال الخلاف فيحسن الاحتياط لكونه موجبا لتدارك المصلحة الواقعية ولا فرق في ذلك بين كون الاحتياط في الأمور المهمة كالدماء والفروج والأموال أو غيرها كما لا تفاوت بين كون احتمال التكليف قويا أو ضعيفا.
نعم لو استلزم الأخذ بالاحتياط في جميع موارد الأمارات والشبهات البدوية اختلالا في النظام فالاحتياط الموجب لذلك قبيح عقلا بل ليس راجحا شرعا لما أشار المحقق الأصفهاني قدسسره من أن الجعل الشرعي بداعي جعل الداعي ومع قبح الاحتياط المخل بالنظام في نظر العقل لا يعقل تصديق الجعل من الشارع فيلغو البعث قهرا بل نقول أن نفس التكليف الواقعي الذي يقتضى الجمع بين محتملاته الإخلال بالنظام لا يبقى عليه فعلية الباعثية والزاجرية من حيث إن العقل بعد ما لم يحكم بتحصيل العلم بامتثاله لا معنى لبقائه على صفة الدعوة الفعلية. (١)
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٢٣٢.