الاستدلال بالاستصحاب
قال في مصباح الاصول من الوجوه التى استدل بها على البراءة الاستصحاب وتقريبه على نحوين لأنّ الأحكام الشرعية لها مرتبتان.
المرتبة الأولى :
مرتبة الجعل والتشريع والحكم الشرعي في هذه المرتبة متقوم بفرض الموضوع لا بتحققه فعلا إذ التشريع غير متوقف على تحقق الموضوع خارجا بل يصح جعل الحكم على موضوع مفروض الوجود على نحو القضية الحقيقية فصح تشريع القصاص على القاتل وإن لم يقتل أحد أحدا إلى الأبد.
وتقريب الاستدلال باعتبار هذه المرتبة بأن يقال إنّ الأحكام الشرعية لما كانت في جعلها تدريجية فالحكم المشكوك فيه لم يكن مجعولا في زمان قطعا فتستصحب ذلك ما لم يحصل اليقين بجعله.
وقد أورد عليه أوّلا : بأنّ عدم الجعل المتيقن عدم محمولي والعدم المشكوك فيه هو العدم النعتي المنتسب إلى الشارع ولا يمكن إثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي إلّا على القول بالأصل المثبت.
ويمكن الجواب عنه بأنّ المستصحب إنّما هو العدم المنتسب إلى الشارع بعد ورود الشرع لما عرفت من أنّ جهل الأحكام كان تدريجيا فقد مضى من الشريعة زمان لم يكن الحكم المشكوك فيه مجعولا يقينا فيستصحب ذلك (بأن نقول لم يكن هذا الحكم المشكوك مجعولا للشارع والآن كان كذلك) هذا مضافا إلى أنّ الانتساب يثبت بنفس الاستصحاب. (١)
وثانيا : بأن المحرك للعبد أعني الباعث أو الزاجر له إنّما هو التكليف الفعلي لا الإنشائي فالحكم الإنشائي مما لا يترتب عليه أثر ومن الواضح انّه لا يمكن إثبات عدم التكليف الفعلي باستصحاب عدم الجعل إلّا على القول بالأصل المثبت.
__________________
(١) كما يقال إن الأعدام أعدام بعدم علل وجودها ولكن إذا استصحبت إلى زمان الشرع استند بقاء الأعدام إلى الشارع بنفس الاستصحاب لأن الانتساب من آثار نفس الاستصحاب لا المستصحب.