وأمّا العقل فتقريره بوجهين
الوجه الأوّل :
كما في فرائد الاصول إنّا نعلم إجمالا قبل المراجعة بالأدلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(١) ونحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب أو اليقين بعدم العقاب لأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية باتفاق المجتهدين والأخباريين.
وبعد المراجعة بالأدلة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرمات الواقعية فلا بد من اجتناب كل ما يحتمل أن يكون منها إذا لم يكن هنا دليل شرعي يدل على حليته إذ مع هذا الدليل نقطع بعدم العقاب على تقدير حرمته واقعا.
ويمكن الجواب عنه أوّلا : بالنقض بالشبهات الوجوبية والموضوعية فإنّ العلم المذكور لو كان مانعا عن الرجوع إلى البراءة في الشبهات التحريمية كان مانعا عن الرجوع إليها في الشبهات الوجوبية والموضوعية أيضا مع أنّ الأخباريين لا يقولون بوجوب الاحتياط فيهما.
وثانيا : بأن العلم الإجمالي بالمحرمات الواقعية ينحل بمجرد كون الأمارات الدالة على وجوب الاجتناب بمقدار المعلوم بالإجمال في معرض الوصول لاحتمال كون المعلوم بالإجمال هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصيلا ومع الانحلال المذكور لا مانع من الرجوع إلى أصالة الحل في غير مورد الأمارات المذكورة لعدم كونها معارضة بالمثل إذ لا مجال لأصالة الحل في موارد الأمارات كما لا يخفى. (٢)
وتفصيل ذلك كما أفاد السيّد المحقق الخوئي قدسسره إنّ لنا هنا ثلاثة علوم إجمالية
الأوّل : العلم الكبير وأطرافه جميع الشبهات مما يحتمل التكليف ومنشؤه العلم بالشرع الأقدس إذ لا معنى للشرع الخالي عن التكليف رأسا.
__________________
(١) حشر / ٧.
(٢) راجع فرائد الاصول : ٢١٢.