الثاني : العلم الإجمالي المتوسط وأطرافه موارد قيام الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة ومنشؤه كثرة الأمارات والقطع بمطابقة بعضها للواقع فإنّا لا نحتمل مخالفة جميعها للواقع.
الثالث : العلم الإجمالي الصغير وأطرافه موارد قيام الأمارات المعتبرة ومنشؤه القطع بمطابقة مقدار منها للواقع.
وحيث إنّ العلم الإجمالي الأول ينحل بالعلم الإجمالي الثاني والثاني بالثالث فلا يتنجز التكليف في غير مؤديات الطرق والأمارات المعتبرة.
والميزان في الانحلال أن لا يكون المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الصغير أقل عدد من المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الكبير بحيث لو أفرزنا من أطراف العلم الإجمالي الكبير مقدار المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الصغير لم يبق لنا علم إجمالى في بقية الأطراف إلى أن قال بل وجود التكاليف (فيها) مجرد احتمال إلى أن قال.
ثم إنّ ما ذكرناه من الانحلال مبني على العلم الوجداني بمطابقة الأمارات المعتبرة للواقع بمقدار ما علم إجمالا ثبوته في الشريعة المقدسة من التكاليف.
وهذا الأمر وإن كان صحيحا إلّا أنه لو منع منه القائل بوجوب الاحتياط وادعى عدم العلم بمطابقة الأمارات للواقع بمقدار المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الأول فنحن ندعي الانحلال مع عدم العلم الوجداني بمطابقة الأمارات المعتبرة للواقع (للكفاية العلم بالواقع تعبّدا) وتوضيح ذلك أن العلم الإجمالي متقوم دائما بقضية منفصلة مانعة الخلو ففي العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين يصدق قولنا إمّا هذا الإناء نجس وإمّا ذاك وقد يحتمل نجاستهما معا والمدار في تنجيز العلم الإجمالي على هذا الترديد حدوثا وبقاء فإذا فرضنا أن القضية المنفصلة انقلبت إلى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة ولو باليقين التعبدي والأخرى مشكوكة بنحو الشك الساري فلا محالة ينحل العلم الإجمالي ويسقط عن التنجيز.
والسرّ في ذلك أن تنجيز العلم الإجمالي ليس أمرا تعبديّا وإنّما هو بحكم العقل لكاشفيته عن التكليف كالعلم التفصيلي فإذا زالت كاشفيته بطرو الشك الساري زال التنجيز لا محالة كما هو الحال في العلم التفصيلي بعينه.