الوجه الأوّل :
أنّ مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة تدلّان على حجيّة الشهرة الفتوائيّة ففي الاولى قال عليهالسلام في حكم الخبرين المتعارضين : يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر. فقلت : يا سيدي إنّهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال : خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك الحديث. (١)
وفي الثانية قال عليهالسلام بعد فرض اختلاف الحكمين لروايتهما حديثين مختلفين وكون راويهما عدلين مرضيين : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ؛ فأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، قلت : فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال : ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به الحديث. (٢)
وتقريب الاستدلال ـ كما في نهاية الاصول ـ أنّ المحتملات في قوله «المجمع عليه» بالنظر البدوي أربعة : المتفق عليه عند الجميع ، أو المشهور بين الأصحاب في قبال الشاذ النادر ، وعلى الوجهين الاتفاق أو الشهرة في الرواية أو في الفتوى ، فهذه أربعة.
اما احتمال كون المراد الاتفاق في الرواية فهو باطل قطعا ؛ لعدم وقوع هذا الأمر خارجا ؛ إذ ليس لنا رواية رواها جميع أرباب الاصول والجوامع ، فإنّ أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام على ما قالوا كانوا أربعة آلاف ، ولم يتفق اتفاق جميعهم على نقل رواية واحدة عنه عليهالسلام. وكذا احتمال كون المراد الاتفاق في الفتوى ، إذ المستفاد من الحديث وجود الشاذ في قباله ، ومقتضى التعليل بكون المجمع عليه لا ريب فيه كون مقابله مما فيه ريب ، ولو كان الفتوى مما اتفق عليه الكل بلا استثناء كان القول بخلافه واضح البطلان لا مما فيه ريب وبعبارة أخري المقصود بالمجمع عليه بقرينة ذكر الشاذ الذي ليس بمشهور في قباله هو المشهور ، لا المتفق عليه.
__________________
(١) جامع الاحاديث : الباب ٦ من ابواب ما يعالج به تعارض الروايات ح ٢.
(٢) الوسائل : الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، ح ١.