وكذا احتمال أن يكون المراد الشهرة الروائية ؛ لوضوح بطلانه وإن أصرّ عليه بعض ، إذ مقتضى إطلاقه على هذا لزوم الأخذ بالرواية التي رواها أكثر الأصحاب وإن أعرضوا عنه وكان فتوى الجميع حتى الرواة لها مخالفة لها ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به ، كيف! والرواية على هذا تصير مما فيه كل الريب ، فكيف يحكم بكونها مما لا ريب فيه؟!
فيبقى من الاحتمالات : أن يكون المقصود الشهرة الفتوائية بأن يكون مفاد الرواية مشهورا بين الأصحاب إفتاء وعملا ... إلى أن قال : فإن قلت : حمل الشهرة في الحديث على الشهرة الفتوائية مخالف لفرض الراوي كليهما مشهورين ؛ لعدم تصور الشهرة الفتوائيّة في طرفي المسألة.
قلت : ليس المقصود بالشهرة في الحديث الشهرة بالمعنى الاصطلاحي بين الاصوليين ، أعني ذهاب الأكثر إلى مسألة ، بل يراد بها معناها اللغوي ، أعني الوضوح ، فالمشهور هو الواضح المعروف في قبال الشاذ الذى ينكر ، ومنه قولهم شهر سيفه وسيف شاهر ، وهذا المعنى يتصور في طرفي المسألة إذا فرض كون كليهما ظاهرين بين الاصحاب حتى ولو فرض كون أحدهما أكثر من الآخر إذا لم يبلغ الآخر إلى حدّ الشذوذ والندرة.
وقد تحصّل مما ذكرنا : أنّ الشهرة الفتوائية بين الأصحاب ، أعني افتائهم بمضمون الرواية والأخذ بها في مقام العمل هو المرجح لإحدى الروايتين المتعارضين ويجعلها مما لا ريب فيه ، لا الشهرة الروائية فقط من دون الأخذ بها والاعتماد عليها.
نعم هنا شيء ، وهو أنّ المستفاد من الحديثين أوّلا : وبالذات كون الشهرة الفتوائية والأخذ بالرواية في مقام الفتوى مرجّحة للرواية الواجدة لشرائط الحجية مع قطع النظر عن المعارض. وأمّا كونها بنفسها حجة شرعية مستقلة فهو أمر آخر يجب البحث فيها ، وهو محط النظر هنا. فنقول : يمكن أن يستظهر من الحديثين حجيّتها بإلغاء الخصوصية ؛ إذا الخصوصيّة المتوهم دخلها في المقام أمران :
الأوّل : وجود رواية في قبالها تخالف مضمونها فيكون لخصوصية وجود المعارض دخل في نفي الريب عنها.