الكريمة هو الفاسق. وعليه فمفهوم الشرط في الآية لا يدل إلّا على عدم وجوب التبين عند عدم مجيء الفاسق بالنبإ لا عند مجيء العادل بالنبإ ؛ إذ اللازم في المفهوم هو حفظ الموضوع في المنطوق ، والمفهوم ، ولذا نقول : قولهم اذا جاء زيد فاكرمه لا يدل مفهومه إلّا على أن زيدا اذا لم يجئ لا تكرمه ، واما عمرو يجب اكرامه أو لا يجب فهو ساكت عنه ، نعم يمكن التمسك بمفهوم الوصف أو اللقب. بالنسبة اليه ، كما سيأتي أن شاء الله تعالى.
لانا نقول : نعم لو كانت القضية الشرطية هي اذا جاء الفاسق بالنبإ ، وأما اذا كانت القضية بحكم العرف كما ذكرنا النبأ اذا جاءكم فاسق به فتبينوا فالموضوع هو النبأ لا الفاسق ، وهو محفوظ في المفهوم والمنطوق.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه دلالة الآية الكريمة على مفهوم الشرط ، فليتدبّر.
الوجه الثاني :
الاستدلال بمفهوم الوصف في الآية الكريمة بدعوى أن حيثية الخبر الواحد لو كانت مقتضية لحرمة العمل لكان ذكر كلمة الفاسق لغوا ، فذكره يدل على دخالته في ثبوت الحكم ، أعني حرمة العمل بدون تبين عند العمل. (١)
وهذا الاستدلال متفرّع على دلالة الوصف على المفهوم ، فيستدل حينئذ بمفهوم الوصف. وتوضيحه ـ كما في مصباح الاصول ـ أن التبين ليس واجبا نفسيا ، بل هو شرط لجواز العمل بالخبر ؛ اذ التبين بلا تعلقه بعمل من الاعمال ليس بواجب يقينا بل لعله حرام ؛ فان التفحص عن كونه صادقا أو كاذبا يكون من باب التفحص عن عيوب الناس. ويدل على كون الوجوب شرطيا مع وضوحه في نفسه التعليل المذكور في ذيل الآية الشريفة ، وهو قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) ، فيكون مفاد الآية الشريفة أن العمل بخبر الفاسق يعتبر فيه التبين عنه ، فيجب التبين عنه في مقام العمل به ، ويكون المفهوم بمقتضى التعليق على الوصف أن العمل بخبر غير الفاسق لا يعتبر فيه التبين عنه ، فلا يجب التبين عن خبر غير
__________________
(١) نهاية الاصول : ص ٤٩٢.