وقال في زبدة البيان : الآية تدلّ على رجحان حسن الخلق من العفو مما يستحقه الإنسان في ذمّة الغير من الحقوق وغيره واستعمال اللين والملاءمة في المعاملات والأمر بالمعروف والإعراض عن الجهّال وعدم مؤاخذتهم بما فعلوا بالنسبة إلى الإنسان ، ويؤيّده (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(١)
لا يقال : إنّ شمول المعروف لما عرفه العرف والأمر به يكفي في حجيّة العرف.
لأنا نقول : إنّ الآية ليست في مقام بيان موارد حجيّة العرف حتى يؤخذ باطلاقها ، بل تكون في مقام بيان وجوب الأمر بالمعروف الثابت من العقل والشرع ، والمعروف كالارتكازيات والمستقلات العقلية وإن كان ثابتا ، ولكن ذلك لا يستلزم كون ما عرفه العرف ولو من القياسات معروفا ، فتدبر جيّدا.
ومنها : ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. (٢)
وفيه : ـ مضافا إلى ضعف السند ـ أنّه أجنبي عن المقام ؛ فإنّ البحث في مرجعيّة العرف بما هو عرف من دون اختصاص بالمسلمين ، وإلّا فهو سيرة المسلمين ، وهي كاشفة عن تقرير المعصوم ، ولا تكون للنصوص ، كما لا يخفى.
ومنها : ما حكي عن «بدران» من أنّ الشارع قرّر كثيرا من العادات العربية وسكت عنها ولم يردعها ، وبنى مسائل الديات والقسامة على العرف وأقرّها ، وليست هذه العادات إلّا العرف ، فيعلم من إقرارها أنّه صلىاللهعليهوآله أقرّهم على العرف وجعله مرجعا ودليلا كسائر الأدلّة. (٣)
وفيه : ما لا يخفى ؛ فإنّه خلط بين إقرارهم على العرف بما هو عرف ، وبين إقرار حكم من أحكام العرف لموافقته مع الأحكام الإسلامية المبنيّة على المصالح والمفاسد. فما أقرّه النبي صلىاللهعليهوآله هو الثاني دون الأوّل ، وبينهما بون بعيد. وبعبارة أخرى : تصديق العرف بنحو
__________________
(١) زيدة البيان : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.
(٢) مجموعة رسائل ابن عابدين : ١١٣.
(٣) اجوبة المسائل المبنائية : ١٦٧.